فجهل الناس يسلمون على سلمان فقال: من هذا؟ قالوا: سلمان الفارسي، فقال: والله ما عرفتك، أعطني. قال سلمان: لا، أني أحتسب بما صنعت خصالاً ثلاثاً: أما إحداهن فإني ألقيت عني الكبر، وأما الثانية فإني أعين رجل من المسلمين على حاجته، وأما الثالثة فلو لم تسخرني لسخرت من هو أضعف مني فوقيته بنفسي.
قيل لسلمان: ما يكرهك الإمارة؟ قال: حلاوة رضاعها، ومرارة فطامها.
وعن الحسن قال: كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان على ثلاثين ألفاً من الناس، يخطب في عباءة يفترش نصفها، ويلبس نصفها، وكان إذا خرج عطاؤه أمضاه، ويأكل من سفيف يده وكان عطاؤه أربعة آلاف، كان من ثياب فيتصدق بها ويعمل الخوص.
قال النعمان بن حميد: دخلت مع خالي على سلمان بالمدائن ((وهو يعمل الخوص، فسمعته يقول: اشتري خوصاً بدرهم فأعمله فأبيعه بثلاثة دراهم، فأعيد درهماً فيه، وأنفق درهماً على عيالي، وأتصدق بدرهم، ولو أن عمر بن الخطاب نهاني عنه ما انتهي.
قال مالك: كان سلمان الفارسي يعمل الخوص بيده، ولا يقبل من أحد شيئاً، وكان يعيش به، ولم يكن له بيت إنما كان يستظل بظل الجدر والشجر، وأن رجلاً قال له: أنا أبني لك بيتاً قال: مالي به حاجة، فما زال الرجل يردد عليه ذلك ويأبى سلمان حتى قال الرجل: إني أعرف البيت الذي يوافقك قال: فصفه لي، قال: أبني لك بيتاً إذا أنت قمت به أصاب رأسك سقفه، وإذا مددت رجلك أصابتا الجدار. قال: نعم، قال فبنى له.
قال فضيل بن عياض: لبس جبة صوف فقيل له: لو لبست ألين من هذا فقال: إنما أنا عبد ألبس ما يلبس العبيد، فإذا مت لبست جبة لا تبلى حواشيها