وعن جرير بن عبد الله قال: نزلت الصفاح في يوم صائف شديد الحر، فإذا رجل نائم في حر الشمس، مستظل بشجرة معه شيء من طعام ومزود له تحت رأسه، ملتف بعباءة قال جرير: فأمرت أن يظلل عليه، ونزلنا فإذا قد انتبه الرجل وإذا هو سلمان الفارسي، قال: فقلت له: ظللنا عليك وما نعرفك فقال: يا جرير، تواضع في الدنيا، فإن من تواضع في الدنيا يرفعه الله يوم القيامة، ومن يتعظم في الدنيا يضعه الله يوم القيامة، يا جرير، لو حرصت على أن تجد عوداً يابساً في الجنة لم تجده. قال: قلت: وكيف يا سلمان وفيها الثمار؟؟ قال: فقال: أصول الشجر الذهب والفضة وأعلاها الثمار، يا جرير، ري ما ظلمة النار؟ قال: لا. قال: فإنه ظلم الناس بعضهم بعضاً في الأرض.
وعن عبد الله بن سلمة قال: كان سلمان إذا أصاب شاة من الغنم ذبحت أو ذبحوها عمد إلى جلدها فيعمل منه جراباً، وإلى شعرها فيجعل منه حبلاً، وإلى لحمها فيقدده، ويستنفع بجلدها، ويعمد إلى الحبل فينظر رجلاً معه قوس قد صدع به فيعطيه، ويعمد إلى اللحم فيأكله في الأيام، وإذا سئل عن ذلك يقول: أن أستغني بالله في الأيام أحب إليّ من أن أفسده ثم أحتاج إلى ما في أيدي الناس.
قال عبد الله بن بريدة: كان سلمان يعمل بيديه، فإذا أصاب شيئاً اشترى به لحماً أو سمكاً، ثم يدعو المجذمين فيأكلون معه.
كتب سلمان إلى أبي الدرداء أن العلم كالينابيع يغشاهن الناس، فيختلجه هذا وهذا فينفع الله به غير واحد، وإن حكمة لا يتكلم بها كجسد لا روح فيه، وإن علماً لا يخرج ككنز لا ينفق منه، وإنما مثل العالم كمثل رجل حمل سراجاً في طريق مظلم يستضيء به من مرّ به، وكل يدعو له بالخير.