فلما رأوا التابوت قد ردّ عليهم أقرّوا لطالوت بالملك، واستوسقوا له على التابوت، فخرج بهم طالوت وجدّوا في حرب عدوهم، ولم يتخلف عنه إلا كبير وضرير ومعذور ورجل في ضيعة لابد له من التخلف، فقالوا لنبيهم: إن الجباب والآبار لا تحملنا، فادع الله لنا أن يُجري لنا نهراً، فدعا ربه، فأجرى لهم نهراً من الأردن، فقال لهم نبيهم أشمويل: اعلموا أن الله " مُبْتَلِيْكُمْ بِنَهرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ " فاقتحم فيه " فَلَيْسَ مِنِّي ". وقال لطالوت: ليس ممن يقاتل معك، فرُدّهم عنك؛ " وضمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي " يُقاتل معك. فامض بهم. فذلك قوله عزّ وجلّ:" إِلاَّ مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ " وكانت الغرفة للرجل ودوابَه وعياله تملأ قربته. قال:" فَشَرِبُوُا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ ".
قال ابن عباس: كانوا مئة ألف وثلاثة آلاف وثلاث مئة عشر رجلاً. فشربوا منه كلهم إلا ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلاً عدة أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدر. قال: فردهم طالوت، ومضى في ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلاً. فلما جاوز النهر - يعني طالوت - والذين لبثوا معه. قالوا:" لاَ طَاقَةَ لَنَا اليَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قاَلَ الّذِيْنَ يَظُنُّوْنَ أَنَّهُم مُلاَقُوا اللهِ " يعني يؤمنون ويوقنون بالبعث " كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيْلَةٍ غَلَبَتْ كثِيْرَةً بِإِذْنِ اللهِ واللهُ معَ الصَّابِرِينَ " وكان أشمويل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دفع إلى طالوت درعاً، فقال له: من استوى هذا الدرعُ عليه فإنه يقتل جالوت بإذن الله عزّ وجلّ، ونادى منادي طالوت: مَن قتل جالوت زوجته ابنتي، وله نصف ملكي ومالي. وكان إخوة داود معه، وهم أربعة إخوة، وكان إيشا أبو داود حبس داود عنده، وسرح ثلاثة إخوةِ داود مع طالوت. وكان الأمر الله عزّ وجل سبب هذا الأمر على يدي داود ابن إيشا. وهو من ولد حصرون بن قانص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم على نبينا وعليهم الصلاة والسلام.
قال أبو أيوب الأنصاري: قال لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن بالمدينة: هل لكم أن نخرج فنلقى هذه العير، لعل الله يغنمنا؟ قلنا: نعم، فخرجنا.