ومعه غلام كأنه شمس دجن تجلت عنه سحابة قتماء وحوله أغيلمة، فأخذه أبو طالب، فألصق ظهره بالكعبة ولاذ بأصبعة الغلام، وبصبصت الأغيلمة حوله وما في السماء قزعة، فأقبل السحاب من هاهنا وهاهنا، وأغدق واغدودق، وانفجر له الوادي، وأخصب البادي والنادي. ففي ذلك يقول أبو طالب: الطويل
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ربيع اليتامى عصمةٌ للأرامل
يطيف به الهلاّك من آل هاشمٍ ... فهم عنده في نعمةٍ وفواضل
وميزان عدلٍ لا يخيس شعيرةً ... ووزان صدقٍ وزنه غير عائل
وعن أبي عبد الرحمن الفهري قال: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة حنين، فسرنا في يوم قائظ شديد الحر، فنزلنا تحت ظلال الشجر، فلما زالت الشمس لبست لأمتي، وركبت فرسي، فانطلقت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في فسطاطه فقلت: السلام عليك يا رسول الله، ورحمة الله، حان الرواح؟ فقال: أجل، فقال: يا بلال، فثار من تحت شجرة كأنّ ظلِّه ظل طائر فقال: لبيك وسعديك وأنا فداؤك، فقال: أسرج لي فرسي، فأخرج سرجاً دفتاه من ليفٍ فيهما أشر ولا بطر. قال: فأسرج. قال: فركب وركبنا فصاففناهم عشيتنا، فلبثنا، وتسامت الخيلان، فولى المسلمون مدبرين كما قال الله عز وجل، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا عباد الله، أنا عبد الله ورسوله ثم قال: يا معشر المهاجرين، أنا عبد الله ورسوله. قال: ثم اقتحم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن فرسه فأخذ كفاً من تراب، فأخبرني الذي كان أدنى إليه مني: ضرب به وجوههم. قال: شاهت الوجوه، فهزمهم الله. قال يعلى بن عطاء: فحدثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا: لم يبق منا إلا امتلأت عيناه وفمه تراباً، وسمعنا صلصلة بين السماء والأرض كإمرار الحديد على الطست الحديد.