في أكثر من عشرة آلاف من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتابعين لهم بإحسان، قالوا جميعاً: نتولى عثمان وعلياً، ولا نتبرأ منهما، ونشهد عليهم وعلى شيعتهما بالإيمان، ونرجو لهم ونخاف عليهم.
وأما الصنف الخامس فهم الحرورية، قالوا: نشهد على المرجئة بالصواب، ومن قولهم حيث قالوا: لا نتولى علياً ولا عثمان ثم كفروا بعد، حيث لم يتبرؤوا ونشهد على أهل الجماعة بالكفر.
قال ميمون بن مهران: وهذا أول ما وقع الاختلاف، وقد بلغوا أكثر من سبعين صنفاً. وقد كان بعض من خرج من هذه الأصناف دعوا سعد بن أبي وقاص إلى الخروج معهم، فأبى عليهم سعد وقال: لا، إلا أن تعطوني سيفاً له عينان بصيرتان، ولسان ينطق بالكافر فأقتله، وبالمؤمن فأكف عنه، وضرب لهم سعد مثلاً فقال: مثلنا ومثلكم كمثل قوم كانوا على محجة، والمحجة البيضاء الواضحة، فيناهم كذلك يسيرون هاجت ريح عجاجة، فضلوا الطريق، فقال بعضهم: الطريق ذات اليمين، فأخذوا فيه، فتاهوا وضلوا، وقال آخرون: الطريق ذات الشمال، فأخذوا فيه فتاهوا وضلوا، وقال آخرون: كنا على الطريق حيث هاجت الريح، فننيخ، فأناخوا وأصبحوا، فذهبت الريح وتبين الطريق. فهؤلاء هم أهل الجماعة. قالوا: نلزم ما فارقنا عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى نلقاه، ولا ندخل في شيء من الفتن، فصارت الجماعة والفئة التي تدعى فئة الإسلام، ما كان عليه سعد بن أبي وقاص وأصحابه الذين اعتزلوا الفتن، حتى أذهب الله الفرقة وجمع الألفة، فدخلوا الجماعة، ولزموا الطاعة وانقادوا لها، فمن فعل ذلك ولزمه نجا، ومن لم يلزمه وشك فيه وقع في المهالك.
قال سعد بن عبيدة: جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن عثمان، فذكر محاسن عمله، فقال: لعل ذاك يسوؤك؟ قال: نعم. قال: فأرغم الله عز وجل بأنفك. قال: ثم سأله عن علي، فذكر محاسن عمله ثم قال: هو ذاك بيته أوسط بيوت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم قال: لعل ذلك يسوؤك؟ قال: أجل. قال: فأرغم الله بأنفك، انطلق فاجهد علي جهدك.