ثم صاروا كأنهم ورق جف ... ف فألوت به الصبا والدبور
فبكى هشام حتى اخضلت لحيته، وخمل عمامته، وأمر بأبنية وبقلاع فرشه وحشمه، ولزم قصره، فأقبلت الموالي والحشم على خالد بن صفوان فقالوا: ماذا أردت إلى أمير المؤمنين؟! أفسدت عليه لذته ونغصت عليه مأدبته. فقال: إليكم عني فإني عاهدت الله ألا أخلو بملك إلا ذكرته الله عز وجل. فبعث إلى واحد من الوفد بجائزة، وكانوا عشرة، وبعث إلى خالد بمثل جميع ما وجه إلى جميع الوفد.
وقال ابن الكلبي: كان سبب نزول عدي بن زيد الحيرة أن جده أيوب بن محروف كان منزله اليمامة في بني امرئ القيس بن زيد مناة، فأصاب دماً في قومه، فهرب، فحلق بأوس بن قلام أحد بني الحارث بن كعب بالحيرة، وكان بين أيوب وبين أوس بن قلام هذا نسب من قبل النساء، فلما قدم عليه أيوب أكرمه وأنزله في داره، فمكث معه، ثم قال له أوس: يا بن خالي أتريد المقام عندي وفي داري؟ فقال له أيوب: نعم، فقد علمت أني إن أتيت قومي وقد أصبت فيهم دماً لم أسلم، وما لي دار إلا دارك آخر الدهر، قال: فإني تذكرت وأنا خائف أن أموت ولا يعرف ولدي لك من الحق مثل ما أعرف، وأخشى أن يقع بينك وبينهم أمر يقطعون فيه الرحم، فانظر أحب مكان في الحيرة إليك فأعلمني به لأقطعكه أو أبتاعه لك. قال: وكان لأيوب صديق في الجانب الشرقي من الحيرة، وكان منزل أوس في الجانب الغربي، فقال له: قد أحببت. أن يكون المنزل الذي تسكنيه عند منزل عصام بن عقدة، أحد بني الحارث بن كعب، فابتاع له موضع داره بثلاث مئة أوقية من ذهب،