وكنت أسكن مدائن كسرى، وذلك في زمن ابن هبيرة. قال: فأتاني أجيري يذكر أن في بعض الخانات رجلاً قد مات، وليس يوجد له كفن، فأقبلت حتى دخلت ذلك الخان، فدفعت إلى رجل مسجىً، وعلى بطنه لبنة، ومعه نفر من أصحابه، فذكروا من عبادته وفضله. فبعثت ليشترى الكفن وغيره، وبعثت إلى حافر يحفر له، وهيّأنا له لبناً، وجلسنا نسخّن لنغسله؛ فبينا نحن إذ وثب المّيت وثبةً، فبدرت اللّبنة عن بطنه، وهو يدعو بالويل والثّبور والنّار. قال: فتصدّع أصحابه عنه. قال: فدنوت حتى أخذت بعضده وهززته، ثم قلت: ما رأيت وما حالك؟ قال: صحبت مشيخةً من أهل الكوفة، فأدخلوني في دينهم أوفي رأيهم، الشّك من أبي الخصيب في سبّ أبي بكر وعمر، والبراءة منهما. قال: قلت: استغفر الله ثم لا تعد. قال: فأجابني: وما ينفعني وقد انطلق بي إلى مدخلي من النّار فأريته، وقيل لي: إنك سترجع إلى أصحابك فتحدّثهم بما رأيت، ثم تعود إلى حالك!. فما انقضت كلمته حتى مال ميتاً على حاله الأول. قال: فانتظرت حتى أتي بالكفن، فأخذته، وقمت، فقلت: لا كفّنته ولا غسّلته ولا صلّيت عليه، ثم انصرفت. فأخبرت بعد أن القوم الذين كانوا معه كانوا على رأيه، وتولّوا غسله ودفنه والصّلاة عليه. وقالوا: ما الذي أنكرتم من صاحبنا، إنّما كانت خطفة من الشّيطان تكلّم به على لسانه. قال خلف: قلت: يا أبا الخصيب، هذا الحديث الذي حدّثتني به تشهد به؟ قال: بصر عيني، وسمع أذني، وأنا أؤدّيه إلى النّاس. قال مالك بن أنس: من سبّ أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فليس له في الفيء حقّ، يقول الله عزّ وجلّ:" للفقراء المهاجرين الّذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً " الآية. هؤلاء أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الذين هاجروا معه، ثم قال: "