للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قطّ كان أشدّ خوفاً من عمر؛ والله إن كان ليكون في المكان الذي إليه ينتهي سرور الرّجل بأهله بيني وبينه لحاف فيخطر على قلبه الشيء من أمر الله فينتفض كما ينتفض طائر وقع في الماء، ثم يرتفع بكاءه، حتى أقول: والله لتخرجنّ نفسه التي بين جنبيه؛ فأطرح اللّحاف عني وعنه رحمةً له وأنا أقول: يا ليتنا كان بيننا وبين هذه الإمارة بعد المشرقين؛ فوالله ما رأينا سروراً منذ دخلنا فيها.

قال عليّ بن زيد: ما رأيت رجلين كأن النّار لم تخلق إلاّ لهما مثل الحسن وعمر بن عبد العزيز.

قال أبو حاتم: لمّا مرض عمر بن عبد العزيز جيء بطبيب إليه، فقال: به داء ليس له دواء؛ غلب الخوف على قلبه.

قال المبّرد: كان عمر بن عبد العزيز كثيراً ما يتمثل: من البسيط

فما تزوّد ممّا كان يجمعه ... سوى حنوط غداة البين في خرق

وغير نفجة أعواد تشبّ له ... وقلّ ذلك من زاد لمنطلق

بأيّ ما بلد كانت منيّته ... إلاّ يسر طائعاً في قصدها يسق

قال عليّ بن الحسن: كان عمر بن عبد العزيز في جنازة، فنظر إلى قوم في الجنازة قد تلثّموا من الغبار وعدلوا من الشّمس إلى الظّلّ، فنظر في وجوههم وبكى، وقال: من البسيط

من كان حين تصيب الشّمس جبهته ... أو الغبار يخاف الشّين والشّعثا

ويألف الظلّ كي تبقى بشاشته ... فسوف يسكن يوماً راغماً جدثاً

في قعر مظلمة غبراء موحشة ... يطيل في قعرها تحت الثّرى لبثا

وفي رواية: من أصحّ ما روي لعمر بن عبد العزيز من الشعر هذه الأبيات فذكر البيتين الأولين وقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>