لا يصلح إلا هذا؛ فكور المتاع فوضعه في وسط البيت، وقال للقوم: لا يبرح منكم أحدٌ حتى أعود إليكم.
فلما خرجنا من عنده قال: يا يرفأ، انطلق بنا إلى أخي لتبصر به ليس عنده سمار ولا مصباح، وليس لبابه غلق، مفترشاً بطحاء، متوسداً برذعة، عليه كساء رقيق قد أذلقه البرد، فتسلم عليه فيرد عليك السلام، وتستأذن فيأذن لك من قبل أن يعلم من أنت. فانطلقنا، حتى إذا قمنا على بابه قال: السلام عليكم، قال: وعليك السلام، قال: أدخل؟ قال: ادخل، فدفع الباب، فإذا ليس له غلق، فدخلنا إلى بيتٍ مظلم، فجعل عمر يلمسه حتى وقع عليه، فجس وساده فإذا برذعة، وجس فراشه فإذا بطحاء؛ وجس دثاره فإذا مساءٌ رقيق، فقال أبو الدرداء: من هذا؟ أمير المؤمنين؟ قال نعم، قال: أما والله لقد استبطأتك منذ العام، قال عمر رحمه الله: أو لم أوسع عليك؟ ألم أفعل بك؟ فقال له أبو الدرداء: أتذكر حديثاً حدثناه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يا عمر؟ قال أي حديث؟ قال: ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب. قال: نعم، قال فماذا فعلنا بعده يا عمر؟ قال فما زالا يتجاوبان بالبكاء حتى أصبحا.
قال محمد بن كعب القرظي: جمع القرآن في زمان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمسةٌ من الأنصار: معاذ بن جبل، وعبادة بن صامت، وأبي بن كعب، وأبو أيوب، وأبو الدرداء؛ فلما كان زمان عمر بن الخطاب كتب إليه يزيد بن أبي سفيان: إن أهل الشام قد كثروا وربلوا وملؤوا المدائن، واحتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم؛ فأعني يا أمير المؤمنين برجالٍ يعلمونهم. فدعا عمر أولئك الخمسة فقال لهم: إن إخوانكم من أهل الشام قد استعانوني بمن يعلمهم القرآن ويفقههم في الدين، فأعينوني رحمكم الله بثلاثة منكم، إن أحببتم فاستهموا وإن انتدب منكم ثلاثة فليخرجوا. فقالوا: ما كنا لنتساهم، هذا شيخٌ كبير - لأبي أيوب - وأما هذا فسقيم - لأبي بن كعب - فخرج معاذ وعبادة وأبو الدرداء، فقال عمر: ابدؤوا بحمص، فإنكم ستجدون الناس على وجوهٍ مختلفة، منهم من يلقن، فإذا رأيتم ذلك فوجهوا طائفةً من