كان أبو الدرداء يقول: تبنون شديداً، وتأملون بعيداً، وتموتون قريباً.
قال أبو الدرداء - وكان من العلماء الحكماء الذين يشفون الداء -: يا أهل دمشق، اسمعوا قول أخٍ لكم ناصح: مالي أراكم تجمعون فلا تأكلون، وتبنون فلا تسكنون، وتأملون فلا تدركون؟! إن من كان قبلكم جمعوا كثيراً، وبنوا شديداً، وأملوا بعيداً، فأصبح ما جمعوا بورا، وما أملوا غرورا، وأضحت مساكنهم قبورا.
خرج أبو الدرداء من دمشق فنظر إلى الغوطة، وقد شقت أنهارها، وغرست شجراً وبنيت قصورا؛ فرجع إليهم فقال: يا أهل دمشق، يا أهل دمشق، فلما أقبلوا عليه، قال: ألا تستحيون؟ ثلاث مرات؛ تجمعون مالا تأكلون، وتأملون مالا تدركون، وتبنون مالا تسكنون! ألا إنه قد كان قبلكم قرون يجمعون فيوعون، ويأملون فيطيلون، ويبنون فيوثقون، فأصبح جمعهم بورا، وأصبح أملهم غرورا، واصبحت منازلهم قبورا؛ ألا إن عاداً ملأت ما بين عدن وعمان نعماً وأموالاً، فمن يشتري مني مال عادٍ بدرهمين؟ وعن أبي الدرداء قال: إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتخير الخير يعطه، ومن يتوق الشر يوقه؛ وثلاثة لا ينالون الدرجات العلا؛ من تكهن، أو استقسم، أو رجع من سفرٍ من طيرة.
وعن أبي الدرداء قال: يا أهل دمشق لا يغرنكم ظرف الرجل ودهاؤه وفصاحته، وإن كان مع ذلك قائم الليل صائم النهار إذا رأيتهم فيه ثلاث خصال: العجب، وكثرة المنطق فيما لا يعنيه، وأن يجد على الناس مما يأتي مثله؛ فإن ذلك علامة الجاهل. وإن قيل إنه ظريف، داهٍ، لبيب، فصيح، عاقل. ثم قال: ألا أنبئكم بعلامة العاقل؟ يتواضع لمن فوقه ولا يزري بمن دونه، ويمسك الفضل من منطقه، يخالق الناس بأخلاقهم، ويحتجز الإيمان فيما بينه وبين ربه جل وعز، وهو يمشي في الدنيا بالتقية والكتمان.
قال أبو الدرداء: الدنيا دار من لا دار له، ولها يجمع من لا عقل له.