للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن عبد الله بن عوسجة قال: أوحى الله إلى عيسى بن مريم؛ أنزلني من نفسك كهمك، واجعلني ذخراً لك في معادك، وتقرب إلي بالنوافل أحبك، ولا تول غيري فأخذلك، اصبر على البلاء، وارضى بالقضاء، وكن كمسرتي فيك، فإن مسرتي أن أطاع فلا أعصى، وكن مني قريباً، وأحي ذكري بلسانك، ولتكن مودتي في صدره يقظ من ساعات الغفلة، واحكم لي لطف الفطنة، وكن لي راغباً راهباً، وأمت قلبك من الخشية لي، وراع الليل بحق مسرتي واظم نهارك ليوم الري عندي، نافس في الخيرات جهدك، واعرف بالخير حيث توجهت - تفسيره: يقول: ولتعرف بالخير - وقم في الخلائق بنصيحتي، واحكم في عبادي بعدك، فقد أنزلت عليك شفاء وساوس الصدر من مرض النسيان وجلاء الأبصار من غشا الكلال؛ ولا تكن حلساً كأنك مقبوض وأنت حيتنفس؛ ياعيسى بن مريم ما أمنتني خليقةٌ إلا خشعت، ولا خشعت لي إلا رجت ثوابي، فأشهدك أنها آمنةٌ من عقابي ما لم تغير أو تبدل سنتي؛ يا عيسى بن مريم البكر البتول، ابك على نفسك ايام الحياة بكاء من ودع الأهل وقلى الدنيا، وترك اللذات لأهلها وارتفعت رغبته فيما عند إلهه، وكن في ذلك تلين الكلام، وتفشي السلام وكن يقظانا إذا نامت عيون الأنام حذار ما هو آتٍ من أمر المعاد، وزلازل شدائد الأهوال قبل أن لا ينفع أهلٌ ولا مال، واكحل عينك بملمول الحزن إذا ضحك البطالون، وكن في ذلك صابراً محتسباً، فطوبى لك إن نالك ما وعدت الصابرين، زج من الدنيا بالله، يوم بيوم، وذق مذاقه، ما هرب منك أين طعمه؟ وما لم يأتك كيف لذته؟ فزج من الدنيا بالبلغة، وليكفك منها الخشن الخشب، قد رأيت إلى ما تصير؛ اعمل على حساب، فإنك مسؤول؛ لو رات عينك ما أعددت لأوليائي الصالحين ذاب قلبك، وزهقت نفسك.

<<  <  ج: ص:  >  >>