واجتمع إليه شياطينه فقالوا: سيدنا قد لقيت تعباً! قال: إن هذا عبد معصوم ليس لي عليه من سبيل، وسأضل به بشراً كثيراً وأبث فيهم أهواء مختلفة، وأجعلهم شيعاً، ويجعلون وأمه إلهين من دون الله. وأنزل الله فيما أيد به عبده عيسى وعصمه من إبليس قرآناً ناطقاً يذكر نعمته على عيسى فقال:" يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس " يعني إذ قويتك بروح القدس يعني جبريل " تكلم الناس في المهد وكهلاً، وإذ علمتك الكتاب " يعني الانجيل والتوراة " والحكمة "" وإذ كففت بني إسرائيل عنك " الآية كلها، وإذ جعلت المساكين لك بطانةً وصحابةً وأعواناً ترضى بهم، وصحابةً وأعواناً يرضون بك هادياً وقائداً إلى الجنة، فذلك فاعلم خلقان عظيمان، من لقيني بهما فقد لقيني بأزكى الخلائق وأرضاها عندي، وسيقول لك بنو إسرائيل: صمنا فلم يقبل صيامنا، وصلينا فلم يقبل صلاتنا، وتصدقنا فلم يقبل صدقاتنا، وبكينا بمثل حنين الجمال فلم يرحم بكاءنا؛ فقل لهم: ولم ذاك؟ وما الذي يمنعني؟ أن ذات يدي قلت؟ أوليس خزائن السموات والأرض بيدي أنفق منها كيف أشاء؟ أو أن البخل يعتريني؟ أو لست اجود من سئل وأوسع من أعطى؟ وأن رحمتي ضاقت؟ وإنما يتراحم المتراحمون بفضل رحمتي. ولولا أن هؤلاء القوم يا عيسى بن مريم غذوا أنفسهم بالحكمة التي نورت في قلوبهم، فاستأثروا به الدنيا أثرةً على الآخرة لعرفوا من أين أتوا، وإذاً لأيقنوا أن أنفسهم هي أعدى الأعداء لهم، وكيف أقبل صيامهم وهم يتقوون عليه بالأطعمة الحرام؟ وكيف أقبل صدقاتهم وهم يغصبون الناس عليها فيأخذونها من غير حلها؟! يا عيسى، إنما أجزي عليها أهلها؛ وكيف أرحم بكاءهم وأيديهم تقطر من دماء الأنبياء؟! ازددت عليهم غضباً، يا عيسى، وقضيت يوم خلقت السماوات والأرض أنه من عبدك