قال: فصلى عيسى ركعتين ثم جاء فجلس عند القبر، فنادى يا فلانة، قومي بإذن الرحمن فاخرجي، قال: فتحرك القبر، ثم نادى الثانية، فانصدع القبر بإذن الله، ثم نادى الثالثة فخرجت وهي تنفض رأسها من التراب، فقال لها عيسى: ما بطأ بك عني؟ قالت: لما جاءتني الصيحة الأولى بعث الله لي ملكاً فركب خلقي، ثم جاءتني الصيحة الثانية فرجع إلي روحي، ثم جاءتني الصيحة الثالثة فخفت أنها صيحة القيامة! فشاب رأسي وحاجباي وأشفار عيني من مخافة القيامة، ثم أقبلت على أمها فقالت يا أمتاه! ما حملك على أن أذوق كرب الموت مرتين؟ يا أمتاه، اصبري واحتسبي فلا حاجة لي في الدنيا، يا روح الله وكلمته يسأل ربي أن يردني إلى الآخرة وأن يهون علي كرب الموت، قال: فدعا ربه، فقبضها إليه، فاستوت عليها الأرض.
فبلغ ذلك اليهود، فازدادوا عليه غضباً، وكان ملك منهم في ناحيةٍ منهم في مدينةٍ يقال لها نصيبين جباراً عاتياً، وأمر عيسى بالمسير إليه ليدعوه وأهل تلك المدينة إلى المراجعة. قال: فمضى حتى شارف المدينة ومعه الحواريون، فقال لأصحابه: ألا رجلٌ منكم ينطلق إلى المدينة فينادي فيها فيقول: إن عيسى عبد الله ورسوله. قال: فقام رجلٌ من الحواريين يقال له يعقوب فقال: أنا يا روح الله وكلمته؛ قال: فاذهب فأنت أول من يبر أمتي. فقام آخر يقال له توصار قال له: أنا معه، قال: وأنت معه؛ ومشيا، فقام شمعون فقال: يا روح الله وكلمته! أكون ثالثهم؟ فأذن لي بأن أنال منك إن اضطررت إلى ذلك، قال: نعم.
قال: فانطلقوا، حتى إذا كانوا قريباً من المدينة فقال لهما شمعون: ادخلا المدينة فبلغا ما أمرتما وأنا مقيم مكاني، فإن ابتليتما احتلت لكما. فانطلقا حتى دخلا المدينة، وقد تحدث الناس بأمر عيسى وهم يقولون فيه أقبح القول وفي أمه، فنادى أحدهما - وهو الأول - ألا إن عيسى عبد الله ورسوله؛ فوثبوا إليهما: من القائل إن عيسى عبد الله ورسوله؟ فتبرأ الذي نادى فقال: ما قلت شيئاً؛ فقال الآخر: قد قلت وأنا أقوله: إن