للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه وعلى الشيخ، وجعل زافر ينظر إليهما، قال: تحرك الفضيل فخرج زافر وخرجت معه والشيخ مغشي عليه.

قال إبراهيم بن الأشعث: ما رأيت أحداً كان الله عز وجل في صدره أعظم من الفضيل بن عياض؛ كان إذا ذكر الله أو ذكر عنده، أو سمع القرآن ظهر به من الخوف والحزن، وفاضت عيناه وبكى حتى يرحمه من بحضرته؛ وكان دائم الحزن شديد الفكرة، ما رأيت رجلاً يريد الله يعلمه وعمله وأخذه وعطائه ومنعه وبذله وبغضه وحبه وخصاله كلها غيره - يعني الفضيل.

قال إبراهيم بن الأشعث: كنا إذا خرجنا مع الفضيل في جنازة لا يزال يعظ ويذكر ويبكي لكأنه مودع أصحابه ذاهب إلى الآخرة، حتى يبلغ المقابر، فيجلس، فلكأنه بين الموتى جلس، من الحزن والبكاء حتى يقوم ولكأنه رجع من الآخرة يخبر عنها.

وكان فضيل يقول: لأن أكون هذا التراب أو هذا الحائط أحب إلي من أن أكون في سلخ أفضل أهل الأرض اليوم؛ وما يسرني أن أعرف الأمر حق معرفته إذاً لطاش عقلي. ولو أن أهل السماء والأرض طلبوا أن يكونوا تراباً فسفعوا كانوا قد أعطوا عظيماً. ولو أن جميع أهل الأرض من جن وإنس، والطير الذي في الهواء، والوحش الذي في البر، والحيتان التي في البحر، علموا الذي يصيرون إليه، ثم حزنوا لذلك وبكوا كان موضع ذلك؛ فأنت تخاف الموت أو تعرف الموت؛ لو أخبرتني أنك تخاف الموت ما قبلت منك، لو خفت الموت ما نفعك طعام ولا شراب ولا شيء من الدنيا.

قال سهل بن راهويه: قلت لسفيان بن عيينة: أما ترى إلى الفضيل بن عياض، ما تكاد تجف له دمعة! قال سفيان: كان يقال: إذا فرح القلب نديت العينان؛ ثم تنفس سفيان نفساً منكراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>