للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال محمد بن يزيد المبرد: حدثنا بعض أصحابنا، قال: كان في زمن المأمون شيخٌ مؤذن مسجدٍ وإمامه، فكان إذا جاء زمان الورد أغلق باب المسجد ودفع مفتاحه إلى بعض جيرانه، وأنشأ يقول: من المجتث

يا صاحبي اسقياني ... من قهوةٍ خندريس

على جنبات وردٍ ... تذهب هم النفوس

خذا من الورد حظاً ... بالقصف غير خسيس

ما تنظران وهذا ... أوان حث الكؤوس

فبادرا قبل فوتٍ ... لا عطر بعد عروس

فلا يزال على هذا حتى تنقضي أيام الورد، فيرجع إلى مسجده ويقول: من الطويل

تبدلت من وردٍ جني ومسمعٍ ... شهي ومن لهوٍ وشرب مدام

وأنس بمن أهوى وصحبٍ ألفتهم ... بكأس ندامى كالشموس كرام

أذاناً وإخباتاً وقوماً أؤمهم ... بصرف زمانٍ مولعٍ بغرام

فذلك دأبي أو أرى الورد طالعاً ... فأترك أصحابي بغير إمام

وأرجع في لهوي وأترك مسجدي ... يؤذن فيه من يشا بسلام

قال محمد بن يزيد المبرد: كنت غلاماً خدناً جميلاً، وكان لي فتىً يهواني، ويقبل علي بالخير، وأقبل عليه بالشر، فاعتل علةً كنت سببها، فمات فكثر أسفي عليه، فبينا أنا نائمٌ إذا هو أقبل، فقلت: فلان؟ قال: نعم؛ فبكيت، فولى عني، وأنشأ يقول: من الوافر

أتبكي بعد قتلك لي عليا ... ومن قبل الممات تسي إليا

سكبت علي دمعك بعد موتي ... فهلا كان ذاك وكنت حيا

<<  <  ج: ص:  >  >>