أكفنه وأدفنه في التراب، وكان أحب إلي وأسلي لهمي من أن ألقيه في البحر، فيأكله دواب البحر وحيتانه، ثم ذكرها الله ما أنساها الشيطان فقالت: إن الذي خلصه من النار سيحفظه في اليم، فاحتمل النيل التابوت حتى تعلق بشجرة مما يلي فرعون، فبينا فرعون في مجلسه إذ أقبل النيل بالتابوت تضربه الأمواج، فقال فرعون: إن هذا لشيء في البحر قد تعلق بالشجرة، ترفعه الأمواج وتضعه، ائتوني به. فابتدروه بالسفن من كل جانب، حتى وضعوه بين يده، فعالجوا فتح التابوت فلم يقدروا عليه، وعالجوا كسره فلم يقدروا عليه فدنت آسية فرأن في جوف التابوت نرواً لم يره غيرها، للذي أراد الله أن يكرمها، فعالجته ففتحت التابوت، فإذا هي بصبي صغير فيمهده، فإذا نور بين عينيه، وقد جعل الله رزقه في البحر في إبهامه، وإذا إبهامه في فيه، يمصه لبناً، وألقي الله لموسى المحبة في قلب آسية، فلم يبق منها عضو ولا شعر ولا بشر إلا وقع فيه الاستبشار، فذلك قوله:" وألقيت عليك محبة مني "، وأحبه فرعون وعطف لعيه.
وأقبلت ابنة فرعون، فلما أخرجوا الصبي من التابوت عمدت ابنة فرعون إلى ما كان يسيل من ريقه ولعابه فلطخت به برصها وقبلته وضمته إلى صدرها، وجعل فرعون يفعل كفعلها لما يرى من سرورهم به، فأخذته آسية فضمته إلى نفسها، فقالت الغواة من قوم فرعون: إنا نظن أن ذلك المولود الذي تحذر منه من بني إسرائيل، هو هذا رمي به في البحر فرقاً منك، فاقتله مه من قتلت منهم. فهم به فمنعه الله منه، فلما هم بقتله قالت إمراته آسية: لا تقتله " قرة عين لي ولك " لا تقتله " عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً " وكانت لا تلد، فاستوهبت موسى من فرعون فوهبه لها، وقال فرعون: أما أنا فلا حاجة لي فيه. فقالت لآسية: سميه. قالت سميته موشى. قيل: ولم سميته موشى؟ قالت لأنا وجدنا في الماء والشجر ف مه هو الماء وشى هو الشجر فسموه موشى، ماء وشجر.