فمشوا جميعاً حتى مروا بقبر عنده قوم، عليهم العمائم البيض، فلما كانوا منهم قريباً نفحت عليهم رائحة المسك فقال موسى: لمن تحفرون هذا القبر؟ قالوا: لعبد يحبه الله ويحب الله. فقال: هل أنتم تاركي أنزل هذا القبر فأنظر إليه؟ قالوا: نعم. فلما نزل فرجت له من القبر فرجة إلى الجنة، فجاءه من روحها وريحانها، فاضطجع موسى في القبر ثم قال: اللهم اجعلني ذلك العبد الذي تحبه ويحبك. فقبض ملك الموت روحه ثم تقدم جبريل فصلى عليه ثم أهالوا عليه ما أخرج من القبر.
وعن ابن عباس أن موسى كان يستظل في عريش ويأكل ويشرب في نقير حجر، وإذا أراد أن يشرب كرع كما تكرع الدابة تواضعاً لله، وكان يلبس الصوف، فخرج ذات يوم من عريشه ليقضي حاجته لا يعلم به أحد من خلق الله، فمر برهط من الملائكة يحفرون قبراً، فأقبل إليهم حتى وقف عليهم، فإذا هم يحفرون قبراً لم ير قط شيء أحسن منه، ورأى فيه خضرة وحسناً فقال لهم: يا ملائكة الله! لمن هذا القبر؟ قالوا: لعبد كريم على الله. قال: ما رأيت مضجعاً أحسن منه. قالت له الملائكة: يا صفي الله! تحب أن يكون لك هذا القبر؟ قال: وددت ذلك. قالوا: فنزل فاضجع وتوجه إلى ربك ثم تنفس أسهل نفس تنفسته قط. فنزل فاضجع فيه وتوجه إلى ربه ثم تنفس، فقبض الله روحه فسوت عليه الملائكة.
علقه عبد الله محمد بن المكرم بن أبي الحسن الأنصاري الكاتب عفا الله عنه وفرغ منه في نصف ذي القعدة المبارك سنة أربع وتسعين وست مئة الحمد لله رب العالمين كما هو أهله وصلواته على سيدنا محمد وآله صحبهوسلامه حسبنا الله ونعم الوكيل