فقبل الرسول رسالات ربه، وسأله أن يخفيها، واتبع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي نزل به جبريل من عند رب العرش العظيم.
فلما قضي إليه الذي أمر به انصرف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منقلباً إلى أهله، لا يأتي على حجر ولا شجر إلا سلمت عليه: سلام عليك يا رسول الله. فرجع إلى بيته، وهو موقن، قد فاز فوزاً عظيماً، فلما دخل على امرأته خديجة، قال: يا خديجة أرأيت ما كنت أراه في المنام، وأحدثك به فإنه قد استعلن لي، وإنه جبريل أرسله ربه، وأخبرها بالذي قال له وبالذي رأى وسمع، فقالت: أبشر، فوالله، لا يفعل الله بك إلا خيراً أبداً، اقبل الذي أتاك من الله فإنه حق، وأبشر رسول الله حقاً.
ثم انطلقت إلى غلام لعتبة بن ربيعة يقال له: عداس، نصراني من أهل نينوى، فقالت: يا عداس، أذكرك الله إلا حدثتني هل عندك من جبريل علم؟ فلما ذكرت جبريل قال: قدوس قدوس ربنا، وما شأن جبريل يذكر بهذه الأرض التي أهلها أهل أوثان؟ قالت: أحب أن تحدثني بعلمك عنه. قال عداس: فإنه أمين الله بينه وبين النبيين، وهو صاحب موسى وعيسى.
فرجعت خديجة فأتت عمها ورقة بن نوفل، وكان ورقة قد كره عبادة الأوثان هو وزيد بن عمرو بن نفيل. وكان زيد قد حرم كل شيء حرمه الله من الدم والذبيحة على النصب وأبواب الظلم في الجاهلية، وتنصر ورقة، وقال لزيد قائم من الرهبان: إنك تلتمس ديناً ليس يوجد في الأرض اليوم، قال زيد: أي دين هو هذا الذي تزعم أنه غير موجود؟ قال دين الله دين إبراهيم.
قال زيد: يا ورقة، أنا على دين إبراهيم، وأنا ساجد نحو هذه البنية التي بنى إبراهيم، فسجد نحو الكعبة في الجاهلية. ثم توفي زيد، وبقي ورقة بعد.
وتعمدت خديجة إلى ورقة حين رجعت من عند عداس، فأخبرته ببعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبقول عداس، فقال لها ورقة: والله، يا بنت أخي، ما أدري لعل صاحبك هو الرسول الذي ينتظر أهل الكتاب، الذي يجدونه مكتوباً عندهم، وأقسم بالله لئن كان