فقام الوليد من ساعته، وجمع أصحاب النحو، ودخل إلى بيت وهم معه، وطين عليه وعليهم الباب، وأقاموا ستة أشهر، ثم خرج منه، وهو يوم خرج أجهل بالنحو منه يوم دخل، فقال عبد الملك: أما إنه قد أعذر.
قال العتبي: لما حضرت عبد الملك بن مروان الوفاة جمع ولده، وفيهم مسلمة، وكان سيدهم، فقال: أوصيكم بتقوى الله، فإنها عصمة باقية، وجنة واقية، وهي أحصن كهف وأزين خلية، ليتعطف الكبير منكم على الصغير، وليعرف الصغير منكم حق الكبير، مع سلامة الصدور والأخذ بجميل الأمور، وإياكم والفرقة والخلاف، فبها هلك الأولون، وذل ذوو العز المعظمون، انظروا مسلمة، فاصدروا عن رأيه؛ فإنه بابكم الذي تفترقون، ومجنكم الذي به تستجنون، وأكرموا الحجاج؛ فإنه وطأ لكم المنابر، وأثبت لكم الملك، وكونوا بني أم بررة، وإلا دبت بينكم العقارب، كونوا في الحرب أحراراً وللمعروف مناراً، واحلولوا في مرارة، ولينوا في شدة، وضعوا الذخائر عند ذي الأحساب والألباب، فإنه أصون لأحسابهم، وأشكر لما يسدى إليهم.
ثم أقبل على الوليد ابنه، فقال: لا ألفينك إذا مت تجلس تعصر عينيك، وتخن خنين الأمة - الخنين: البكاء - ولكن شمر وأتزر، البس جلد نمر، ودلني في حفرتي، وخلني وشأني، وعليك وشأنك، ثم ادع الناس إلى البيعة، فمن قال هكذا فقل بالسيف هكذا.
ثم أرسل إلى عبد الله بن يزيد بن معاوية وخالد بن أسيد، فقال: هل تدريان لم بعثت إليكما؟ قالا: نعم، لترينا أثر عافية الله إياك، قال: لا، ولكن قد حضر من الأمر ما تريان، فهل في أنفسكما من بيعة الوليد شيء؟ فقالا: لا، والله ما نرى أحداً أحق بها منه بعدك يا أمير المؤمنين.
قال: أولى لكما، أما والله لو غير ذلك قلتما لضربت الذي فيه أعينكما.