إذا شربوا فيها الصديد رأيتهم ... يذوبون من حر الصديد تمزقا
فبكى الحسن ثم التزم الفرزدق، وقال: لقد كنت من أبغض الناس إلي، وإنك اليوم من أحب الناس إلي.
شهد الحسن جنازة أبي رجاء العطاردي على بغلة، والفرزدق معه على بعيره، فقال له الفرزدق: يا أبا سعيد، يستشرفنا الناس، فيقولون: خير الناس، وشر الناس، فقال الحسن: يا أبا فراس، كم أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره، ذاك خير من الحسن، وكم من شيخ مشرك أنت خير منه يا أبا فراس، قال: الموت يا أبا سعيد، قال له الحسن: وما أعددت له يا أبا فراس؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة، قال: إن للا إله إلا الله شروطا، فإياك وقذف المحصنة، يا أبا فراس كم من محصنة قد قذفتها، فاستغفر الله، قال: فهل من توبة أبا سعيد؟ قال: نعم.
زاد في آخر بمعناه: ثم وقف الحسن ملياً ثم قال: أما أنت يا أبا رجاء فقد استرحت من غموم الدنيا ومكابدتها، فجعل الله لك في الموت راحة طويلة، ثم أقبل على الفرزدق فقال: يا أبا فراس، كن من مثل هذا على حذر، فإنما نحن وأنت بالأثر، قال: فبكى الفرزدق ثم أنشأ يقول:
فلسنا بأنجى منهم غير أننا ... بقينا قليلا بعدهم وترحلوا
حدث محمد بن زياد - وكان في ديماس الحجاج زماناً حتى أطلقه سليمان حين قام - قال: