للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي «مبسوط شيخ الإسلام»: ثم إذا دعا فإنّه لا يقلب رداءه عند أبي حنيفة -رحمه الله-، وقال أبو يوسف، ومحمد، والشافعي رحمهم الله: يقلب ردائه، واحتجوا فيه بما ذكرنا من الحديث الذي قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - رداءه (١)، (٢)، واحتج أبو حنيفة -رحمه الله- بما روي "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استسقى يوم الجمعة، ولم يقلب الرداء" (٣)، ولأنّه دعاء مشروع حالة الخوف، فلا يسن فيه تقليب الرداء قياسًا على الكسوف، فأمّا تعلقه بالحديث، قلنا: يحتمل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يغيّر عليه رداءه فأصلحه، فظن الراوي أنه قلب، أو يقول: يحتمل أنه علم ذلك من طريق الوحي أنّ الحال ينقلب إلى الخصب متى قلب الرداء، وهذا ممّا لا يعرفه غيره، أو يقول: تعارضت الأخبار، فيتمسّك بالقياس، والقياس أن لا تقلّب الرداء كما في الكسوف، وصلاة الجمعة، والعيدين، ولا يحضر أهل الذمة الاستيقاء (٤)، وقال مالك -رحمه الله-: إن خرجوا لم يُمنعوا من ذلك، وقد ورد به أثر: "أنهم خرجوا في عهد بعض الخلفاء مع المسلمين فلم يُمنعوا من ذلك" (٥)، ولكنّا نقول: إنّما يخرج الناس للدعاء، {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} (٦)، وقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتبعيد المشركين حيث قال: «أنا بريء من كل مسلم مع مشرك لا يتراءى» (٧) أي: ناداهما، ثم إنما يخرج المسلمون للاستسقاء ثلاثة أيام، ولم ينقل أكثر من ذلك. كذا في «المبسوط» (٨)، و «المحيط» (٩).

[قال محمد -رحمه الله-: وأحبُّ إليّ أن يخرج الناس إلى الاستيقاء ثلاثًا، وإن أمر الإمام الناس بالخروج، ولم يخرج بنفسه خرجوا. كذا في «الإيضاح»، والله أعلم (١٠) (١١).


(١) أخرجه البخاري في «صحيحه» (٢/ ٢٧)، كتاب أبواب الاستسقاء، باب تحويل الرداء في الاستسقاء، رقم (١٠١١).
(٢) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٢٦٨.
(٣) أخرجه البخاري في «صحيحه» (٢/ ٢٨)، كتاب أبواب الاستسقاء، باب الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة، رقم (١٠١٤)، مطولًا.
(٤) في (ب): " الاستسقاء ".
(٥) ذكره السرخسي. ينظر: المبسوط: ٢/ ١٤١.
(٦) سورة الرعد من الآية: (١٤).
(٧) رواه أبو داود في «سننه» (٢/ ٣٤٩)، كتاب الجهاد، باب النهي عن قتل من اعتصم بالسجود، (٢٦٤٧)، من حديث جرير بن عبد الله. قال الألباني: صحيح. ينظر: صحيح وضعيف سنن أبي داود: ٦/ ١٤٥.
(٨) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ١٤١.
(٩) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٢٦٨.
(١٠) ينظر: بدائع الصنائع: ١/ ٢٨٤.
(١١) [ساقط] من (ب).