للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بابُ الحَجْر (١) بسببِ الدَّيْن (٢)

اعلم أن الدَّينَ أيضًا من أسباب الحجر عند أبي يوسف (٣) (٤) ومحمد (٥) (٦) -رحمهما الله- فلذلك ذكره في كتاب الحجر، وإنما أخَّر هذا الحجر عن الحجر بسبب السَّفَهِ (٧)؛ لأن هذا الحجر موقوف إلى طلب الغرماء (٨) حجره، مع أن الأصل في الذِّمم هو البراءة من الدين (٩)، كما أن الأصل هو الرُشد (١٠) دون السَّفه، وكأنَّ في هذا الحجر وصفًا زائدًا يتوقف الحجر إليه بعدما وقعت المشاركة بينهما في أصالة عدم سبب الحجر لهما، وكانت الفرعية ثابتة في هذا الحجر؛ إذ المَزيد فرع على المزيد عليه، والفرع مؤخر عن الأصل وجودًا، فكذا ذُكرا طلبًا للتناسب.


(١) الْحَجْرُ لُغَةً: الْمَنْعُ. المغرب مادة (ح ج ر) (ص: ١٠٣) الصحاح مادة (ح ج ر) (٢/ ٦٢٣). وشرعًا: عِبَارَةٌ عَنْ الْمَنْعِ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى وَجْهٍ يَقُومُ الْغَيْرُ فِيهِ مَقَامَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ. انظر: الاختيار (٢/ ٩٤)، العناية شرح الهداية (٩/ ٢٥٤)، الجوهرة النيرة على (١/ ٢٣٩).
وأما أسباب الحجر فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ؛ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ -رحمه الله -الْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ لِلْحَجْرِ ثَلَاثَةٌ مَا لَهَا رَابِعٌ: الْجُنُونُ، وَالصِّبَا، وَالرِّقُّ، وَهُوَ قَوْلُ: زُفَرَ، وَقَالَ: أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - تَعَالَى وَالسَّفَهُ، وَالتَّبْذِيرُ، وَمَطْلُ الْغَنِيِّ، وَرُكُوبُ الدَّيْنِ، وَخَوْفُ ضَيَاعِ الْمَالِ بِالتِّجَارَةِ، وَالتَّلْجِئَةُ. انظر: بدائع الصنائع (٧/ ١٦٩)، الاختيار (٢/ ٩٤).
(٢) الدَّيْنُ لُغَةً: وَاحِدُ الدُّيُونِ وَقَدْ دَانَهُ أَقْرَضَهُ، فَهُوَ مَدِينٌ وَمَدْيُونٌ. مختار الصحاح (ص: ١١٠)، وشرعًا: عبارة عن مال حكمي يحدث في الذمة ببيع أو استهلاك أو غيرهما. انظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص: ٣٠٥)، الكليات (ص: ٤٤٤).
(٣) هو القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي، قاضي الكوفة، العلامة، المجتهد، قال عن نفسه: صحبت أبا حنيفة سبع عشرة سنة؛ كان قد سكن بغداد وتولى القضاء بها لثلاثة من الخلفاء: المهدي وابنه الهادي ثم هارون الرشيد، وهو أول من لُقب قاضي القضاة، وكان عظيم الرُتبة عند هارون الرشيد، من كتبه: "الأمالي" كتاب" الصلاة" كتاب"الزكاة" و"الخراج" توفي ١٨٢ هـ. انظر: وفيات الأعيان (٦/ ٣٧٩)، تاريخ الإسلام (٤/ ١٠٢٣)، الجواهر المضية (٢/ ٢٢٠)، تاج التراجم (ص: ٣١٧).
(٤) انظر: المبسوط للسرخسي (٢٠/ ٨٨)، بدائع الصنائع (٧/ ١٦٩)، العناية (٩/ ٢٧١).
(٥) هو محمد بن الحسن بن فرقد أبو عبد الله الشيباني، فقيه العراق، وصاحب أبي حنيفة، أخذ بعض الفقه عن أبي حنيفة، وتمّم الفقه على أبي يوسف، وأخذ عنه الشافعي، ولي القضاء للرشيد بعد القاضي أبي يوسف، وكان إمامًا مجتهدًا من الأذكياء الفصحاء، من كُتُبه رحمه الله: "الأصل" أملاه على أصحابه رواه عنه الجوزجاني، وغيره، و"الجامع الكبير"و"الجامع الصغير" و"السير الكبير" و"السير الصغير" و"الآثار" و"الموطأ" و"الفتاوي الهارونية" و"الرقية" و"الكاسانية". توفي ١٨٩ هـ. انظر: تاريخ بغداد (٢/ ١٧٢)، تاريخ الإسلام (٤/ ٩٥٥)، سير أعلام النبلاء (٩/ ١٣٤)، تاج التراجم (ص: ٢٣٨).
(٦) انظر: المبسوط للشيباني (١٠/ ٤٩٠)، المبسوط للسرخسي (٢٠/ ٨٨)، بدائع الصنائع (٧/ ١٦٩).
(٧) السَّفَهُ لغةً: ضِدُّ الْحِلْمِ وَأَصْلُهُ الْخِفَّةُ وَالْحَرَكَةُ. الصحاح مادة (س ف هـ) (٦/ ٢٢٣٤)، مقاييس اللغة (٣/ ٧٩) واصطلاحًا: عبارة عن خفة تَعرض للإنسان من الفرح والغضب فتحمله على العمل، بخلاف طور العقل، وموجب الشرع. التعريفات (ص: ١١٩)، معجم لغة الفقهاء (ص: ٢٤٥).
(٨) الْغَرِيمُ لُغَةً: الْمَدِينُ وَصَاحِبُ الدَّيْنِ أَيْضًا وَالْجَمْعُ الْغُرَمَاءُ. الصحاح مادة (غ ر م) (٥/ ١٩٩٦)، المصباح المنير مادة (غ ر م) (٢/ ٤٤٦) واصطلاحًا: لفظ مشترك يطلق على من له الدين وعلى من عليه الدين، ويحدد السياق المعنى المراد منهما. معجم لغة الفقهاء (ص: ٣٣١).
(٩) انظر: كشف الأسرار (٣/ ٣٧٨)، الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص: ٥٠)، تيسير التحرير (٢/ ٧٥).
(١٠) رَشَدَ لغةً: يَدُلُّ عَلَى اسْتِقَامَةِ الطَّرِيقِ، ضِدُّ الْغَيِّ. مختار الصحاح مادة (ر ش د) (ص: ١٢٣) مقاييس اللغة (٢/ ٣٩٨)، واصطلاحًا: الاسْتقَامَة على طَرِيق الْحق مَعَ تصلب فِيهِ، وغالب اسْتِعْمَاله للاستقامة بطرِيق الْعقل. المغرب (ص: ١٨٩) الكليات (ص: ٤٧٦).