للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(ومن أرسل أجيراً له مجوسيّاً أو خادمًا فاشترى لحمًا فقال اشتريته من يهودي أو نصراني أو مسلم: وسعه أكله) (١)، إلى أن قال: (وإن قال غير ذلك: لم يسعه أكله) (٢).

فإن قلت: هذه المسألة مناقضة لمسألة ذكرها بعدها [وهي] (٣) قوله: (ولا [يُقْبَل] (٤) في الديانات إلا العَدْل) (٥)، أراد بالعَدْل: المسلم الْمَرْضِيّ على ما ذكر بعده.

ثم قال: (ومنها: الحلّ والحرمة) (٦)، أي: ومن الدّيانات الحلّ والحرمة، وقد شرط هناك/ في [قبول] (٧) خَبَر الْمُخْبِر في الدّيانات الإسلام؛ كما لو أخبر بأنّ هذا حلال أو حرام، وذكر [ههنا] (٨) قبول خبر المخبر في الحلّ والحرمة وإن كان المخبر مجوسيًّا.

وإنّما قلت: إن ههنا [اخْبَارٌ] (٩) في الحلّ والحرمة؛ لأنّ قوله: (اشتريته من يهوديّ أو نصرانيّ أو مسلم)، معناه: أن هذا لحم حلال لك أكله.

وقوله: (اشتريته من غيرهم)، معناه: أن هذا لحمٌ حرامٌ عليك أكله، فقبل خبره في هذا وإن كان مجوسياً، فما وجه دفع هذه المناقضة؟.

[قبول قول المجوسي في الحِلِّ والحُرمة فيما إذا كان إخباره عن الحِلِّ والحرمة ضِمْنِيَّاً لا قصديَّاَ]

قلت: أنهما يترايان متناقضتين على ما ذكرت، ولكن عند التّحقيق لا مناقضة بينهما؛ وذلك لأنّ فيما نحن بصدده وهو إخبار المجوسي [بأني] (١٠): (اشتريته من يهوديّ) إلى آخره؛ إثبات الحِلِّ ضمنيّ، وكذلك لو قال: (اشتريته من غيرهم) إثبات الحرمة فيه ضمنيّ، [فأمّا] (١١) لو قال بأن: (هذا حلال) أو بأن: (هذا حرام)؛ إثبات الحلّ والحرمة فيهما قصديٌّ، فلم يلزم فيما [يثبت] (١٢) الحكم في شيء ضمنا لزومه فيما ثبت قصدًا؛ كوقف المنقول فإنّه يصحّ ضمنًا لغير المنقول ولا يصحّ قصدًا، وكبيع الشرب وغيره، والدّليل على التغاير بينهما هو أنه جعل [قول] (١٣) المجوسي [بأني] (١٤) (اشتريته من يهودي أو نصراني أو مسلم أو اشتريته من غيرهم) من قبيل الإخبار في المعاملات، و [جعل] (١٥) خبر المخبر بأن: (هذا حلال) [أو] (١٦) بأنّ: (هذا حرام) من قبيل الإخبار في الدّيانات، وتغايرهما بهذا الطريق ليس إلا باعتبار أنّ ثبوت الحِلّ والحُرمة في مسألتنا هذه ضمنيّ وهناك قصديّ (١٧)، ولم يعتبر الإمام أبو منصور [الخَزْواني] (١٨) / (١٩) هذا التغاير بينهما حيث اشترط ههنا أيضاً في قبول خبره العدالة؛ ذكره الإمام المحبوبي في "الجامع الصّغير" (٢٠)؛ فقال: (قال الإمام الزاهد أبو منصور [الخزواني] (٢١): هذا إذا كان المخبر عدلاً، وإن كان غير عدل؛ فإن وقع في قلبه أنّه صادق وسعه أكله وإلا فلا)، فجعل الضِمْنِيّ بمنزلة القَصْدِيّ في اشتراط العدالة في قبول خبره (٢٢).


(١) يُنْظَر: بداية المبتدي (ص ٢٢١).
(٢) يُنْظَر: المرجع السابق.
(٣) في (أ): (وهو).
(٤) في (ب): (تُقْبَل).
(٥) يُنْظَر: المرجع السابق.
(٦) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٤/ ١٤٨٠).
(٧) في (أ): (قبوله).
(٨) في (أ): (هنا).
(٩) في (أ): (اختار).
(١٠) في (ب): (بأن).
(١١) في (ب): (وأما).
(١٢) في (أ): (ثبت).
(١٣) في (أ): (قوله).
(١٤) في (أ): (بل).
(١٥) في (أ): (مثل).
(١٦) في (أ): (و).
(١٧) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (١٠/ ١١)، البناية شرح الهداية (١٢/ ٧٩)، مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر (٢/ ٥٣٠).
(١٨) في (أ): (الحرواني).
(١٩) لم أجد ترجمةً له، والخَزْواني: وتنطق أيضاً الخَژَوانى نِسبةً إلى خَزْوان أو خَژَوان، بزاى غير الصافية المنقوطة بثلاث، وهي قرية من قرى بُخَارَى. يُنْظَر: معجم البلدان (٢/ ٣٧٠)، الأنساب للسمعاني (٥/ ١٢٤).
(٢٠) الْجَامِع الصَّغِير: هو شرحٌ لـ "الجامع الصغير للشيباني"، لِأبي الفضل، جمال الدين، عبيدالله بن إبراهيم بن أحمد بن عبدالملك، المحبوبي، البخاري، الحنفي، الْمُتَوَفَّى سنة ٦٣٠ هـ، وهو غير مطبوع. يُنْظَر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (١/ ٥٦٣)، الفوائد البهية للكنوي (ص ١٠٨)، هدية العارفين (١/ ٦٤٩)
(٢١) في (أ): (الحرواني).
(٢٢) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (١٠/ ١١)، البناية شرح الهداية (١٢/ ٧٩).