للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولهذا لو كفل له إنسان ببدل الكتابة على المكاتَب (١) لم تصحُّ الكفالة (٢)، وللمكاتَب أن يُعْجِز نفسه فإذا لم يكن دينًا حقيقة قلنا: الملك للموْلَى إنما يثبت بالقبض فإذا عجز المكاتَب عن الأداء فقد تغيَّر ما هو موجب العقد عليه، فلذلك تمكَّن من فسخ العقد، وههنا بإفلاس المشتري لا يتغير ملك البائع في الثمن، فإنه مملوك دينًا في ذمة المشتري (٣).

وأما قوله: إن الدَّين في ذمة المفلس ثاوٍ قلنا: لا نُسلِّم؛ لأن المديون إذا كان مُقِرًّا بالدين فهو قائم حقيقة وحكمًا/ مفلسًا كان أو غنيًّا، ولهذا قال أبو حنيفة (٤) - رحمه الله-: (يجب على صاحب الدين الزكاة لما مضى إذا قبضه، فإذا لم يتغيَّر موجب العقد لا يتمكن من فسخ العقد)، فعُلم بهذا كله أن العجز عن تسليم الثمن لا يشبه العجز عن تسليم المبيع (٥)؛ لأنهما لا يتساويان في موجب العقد على ما ذكرنا.

[[تسليم الثمن ليس بشرط لجواز العقد]]

والقاطع للشَّغَب في أنهما [أي: أن الثمن والمبيع في حق العجز] (٦) لا ينقاسان: هو أن قدرة المشتري على تسليم الثمن عند العقد ليس بشرط لجواز العقد، بخلاف جانب المبيع حتى أن المفلس لو اشترى شيئًا، والبائع يَعلم أنه مفلس صح العقد ولَزِم، فلمَّا كان كذلك لم يكن الإفلاس الطارئ أقوى من الإفلاس المقارن، فلمَّا لم يمنع الإفلاس المقارن لزوم العقد؛ لَأَنْ لا ترتفع صفة اللزوم بالإفلاس الطارئ أولى بخلاف جانب المبيع، فهناك ابتداء العقد مع العجز عن التسليم لإباق العبد لا يجوز، وإن رضي به المشتري، فكذلك إذا طرأ العجز يثبت للمشتري حق الفسخ، هذا كله مما أشار إليه في «المبسوط» (٧)

(وإنما المُسْتَحَقُّ وصف في الذمة- أعني الدين-)، وقد ذكرنا مرارًا [أن الدين] (٨) عبارة عن وصف شرعي في الذمة يظهر أثره عند المطالبة (٩)، والدراهم أو (١٠) الدنانير التي يدفعها المشتري إلى البائع عين، والعين غير الدين؛ لأن العين غير الوصف لا محالة، والعين لا تَثبت في الذمة والوصف يثبت، ولمَّا كان كذلك ينبغي ألا يتمكَّن المديون (١١) من قضاء الدين أصلًا، لكن لمَّا دَفع المديون الدراهم المنقودة إلى رب الدين صارت ذمة رب الدين مشغولة بدين المديون أيضًا؛ لأن هذا الذي قبضه ربُّ الدين قَبْض مضمون؛ لأنَّ قبضه متملكًا لا مستودعًا فوجب الضمانان في الذمتين فيلتقيان قِصَاصًا، فبراءة ذمة المديون ضرورة لالتقاء الضمانين قِصاصًا؛ لأن الذي دفعه غير حق رب الدين (١٢).


(١) في (ع) زيادة (علي المكاتب).
(٢) الْكَفَالَةُ لغة: تَكَفَّلْتُ بِالْمَالِ الْتَزَمْتُ بِهِ وَأَلْزَمْتُهُ نَفْسِي. المصباح المنير مادة (ك ف ل) (٢/ ٥٣٦) واصطلاحًا: ضَمُّ ذِمَّةٍ فِي الْتِزَامِ الْمُطَالَبَةِ بِالدَّيْنِ. طلبة الطلبة مادة (ك ف ل) (ص: ١٣٩)، المغرب مادة (ض م ن) (ص: ٢٨٥) التعريفات (ص: ١٨٥).
(٣) انظر: المبسوط للسرخسي (١٣/ ١٩٩)، البحر الرائق (٨/ ١١٦).
(٤) انظر: المبسوط للسرخسي (١٣/ ١٩٩)، تحفة الفقهاء (١/ ٢٩٧).
(٥) في (أ) (البيع).
(٦) سقطت في (ع).
(٧) للسرخسي (١٣/ ١٩٨ - ١٩٩).
(٨) سقطت في (ع).
(٩) انظر: تبيين الحقائق (٤/ ١٧١)، مجمع الأنهر (١/ ٥٨٤).
(١٠) في (ع): (و).
(١١) سقطت في (ع).
(١٢) انظر: العناية شرح الهداية (٩/ ٢٧٩)، البناية شرح الهداية (١١/ ١٢٨).