للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت هذا الذي ذكرته هو رواية ابن سماعة عن محمّد -رحمه الله-.

وأمّا الذي ذكره في الكتاب فهو ظاهر الرواية ثم الفرق بين جواب ظاهر الرواية في الطّلاق والعتاق وبين قوله والله لا أكلم فلانًا أو فلانًا وفلانًا في أنّ الثّالث معطوف على الثّاني الذي لم يقع عليه الحكم، وهو مسألة الجامع وهو أن كلمة أو إذا دخلت بين شيئين يتناول أحدهما نكره، إلا أنّ في الطّلاق والعتاق الموضع موضع الإثبات والنكرة في موضع الإثبات يختص تناول أحدهما فإذا عطف الثّالث على أحدهما صار كأنّه قال إحداكما طالق وهذه ولو نص على هذا كان الحكم ما قلنا.

أمّا في مسألة الجامع الموضع موضع النّفي والنكرة في موضع النّفي نعم ويكون كلمة أو بمعنى لا قال الله تعالى: (وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} (١) أي ولا كفورًا، فصار كأنّه قال والله لا أكلّم فلانًا ولا فلانًا فلما ذكر الثّالث بحرف الواو صار كأنّه قال ولا هذين ولو نصّ على هذا كان الحكم هكذا فكذا هنا ذكره الإمام قاضي خان -رحمه الله- (٢).

بَابُ اليَمِينِ في الْبَيْعِ والشِّرَاءِ والتَّزَوُّجِ وغيرِ ذلك

أي من: الطَّلَاقَ والعَتَاقَ والضَّربَ، وهذه التَّصَرُّفَاتُ في الأَيمَانِ كثير (٣) وقوعًا أيضاً بالنّسبة إلى اليمين في الحج والصّلاة والصّوم؛ فلذلك قدِّمَهُ على باب اليمين في الحج، ثم الضَّابِطُ في هذه التَّصَرُّفَاتِ لأصحابنا -رحمهم الله- يَحنَثُ بِفِعلِ المَأمُورِ، وفيما لا يَحنَثُ شَيئَانِ:

أحدهما: أَنَّ كُلَّ فِعلٍ تَرْجِعُ الحُقُوقُ فِيهِ إلى المُبَاشِرِ، فالحَالِفُ لا يَحنَثُ بِمُبَاشَرَةِ المَأمُورِ، وإن كانت الحقوق يرجع فيه إلى مَن وَقَعَ حكم الفعل له يحنث.

والثّاني: أَنَّ كُلَّ فِعلٍ يَحتَمِلُ حُكمُهُ الانتِقَالَ إلى غيرِهِ، فالحَالِفُ فيه لا يَحنثُ بِمُبَاشَرَةِ المَأمُورِ.

وإن كان لا يحتمل الانتقال يحنث، وقيل: كُلُّ ما يَستَغنِي المَأمُورُ في مُبَاشَرَتِهِ عن إضَافَتِهِ إلى الآمِرِ، فالآمِرُ لا يَحنَثُ بِمُبَاشَرَةِ المَأمُورِ، وإن كان لا يَستَغنِي عن هذه الإِضَافَةِ يَحنَثُ، والفِقهُ في ذلك: أنّ العقد متى رجعت حقوقه إلى من وقع العقد له فَمَقصُودُ الحَالِفِ من الحَلِفِ التَّوَقِّي عن حُكمِ العقدِ، وعن حُقُوقِهِ وكِلَاهُمَا يَرجِعَانِ إليهِ، ومتى رَجَعَت حُقُوقُهُ إلى العَاقِدِ لا إلى من وقع حُكْمُ العَقدِ له فَمَقصُودُهُ من الحَلِفِ التَّوَقِّي من رُجُوعِ الحُقُوقِ إليه وهي لا تَرجِعُ إليه فلا يحنثُ.


(١) سورة الإنسان آية: (٢٤).
(٢) انظر: المحيط البرهاني (٤/ ٢٣٩).
(٣) في (ب) "أكثَرُ" وهو الصواب.