للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما الفرقُ بينَ الشُّروعِ في الصَّلَاةِ في الأوقاتِ المكروهةِ، وبينَ الشُّروعِ في صومِ هذا اليومِ من وجهينِ: أحدُهما ما ذُكِرَ في الكتابِ (١)، وإيضاحٌه أنَّ بالشُّروعِ هناكَ لا يصَيرُ/ مُرتكبِا للمنهي عنهُ؛ لِأَنَّ بمجردِ التكبيرِ لا يَصيرُ مُصلِّيًا حتى لو حَلَفَ أنْ لا يُصلِّي فكبَّرَ (للصلاةِ) (٢) لا يحنثُ (٣)، فلذلكَ صَحَّ الشُّروعُ، فوجبَ صيانتُهُ بالقضاءِ، وأما هاهنا فمُجَرَدِ الشَّروعِ صارَ صائمِا، ومُرتكِبًا للمنْهِي بدليلِ أنَّ تَرْكَ إجابةِ دَعوةِ اللهِ تعالى لقومٍ بأصلِ الصَّوْم، وكما أمسكَ صارَ صائِمًا بدليلِ مسألةِ اليمين، والثاني: أنّ هناك يمكنهُ الأداءُ بذلكَ الشَّروعِ لا بصفةِ الكراهةِ بأنْ يصبرَ حتى تبيضَّ الشمسُ فلذلك لِزَمتهُ، وهاهنا بعدَ الشروعِ لا يمكنهُ الأداءُ بدُونِ صفةِ الكراهةِ فلذلك لم يلزمْهُ. كذا في «المَبْسُوط» (٤) وغيره (٥)، واللهُ أعلمُ بالصوابِ.

بابُ الاعتكافِ

أخرَّ الِاعْتِكَافَ عن الصَّوْم لما أنَّ الصَّوْم شَرْطُهُ، والشْرطُ مُقِدَّمٌ طبعًا (٦)، فُيَقدَّمُ وَضْعًا كما قُدِّمَتْ الطَّهارةُ على الصَّلَاةِ،] أما محاسنُ الِاعْتِكَافِ فظاهِرَةٌ، فإنَّ فيهِ تسليمَ المعتكفِ كُلِّيتِهِ إلى عبادِة اللهِ تعالى، وتبعيدِ النفسِ عن شٌغْل الدَّنيا التي هي مانعةٌ لما يستوجُبِهُ العبدُ مِنَ القرُبى، ولهذا كِرَهَ إحضارَ السِّلَعِ في المساجدِ، لما أنها حُرة منجاةٌ عن مثلِ هذهِ المقاصدِ، ومِن محَاسنِ الِاعْتِكَافِ أيضًا استغراقُ المعتكفِ، أو كأنهُ في الصَّلَاةِ إما حقيقةً أو حُكْمًا؛ لِأَنَ القَصْدَ الأصلي مِن شرعَيتِهِ انتظارُهُ أداءَ الصَّلَاةِ بالجَماعاتِ، ولهذا لم يُشرَعْ في مسجدٍ لم يُصَلَّى فيهِ بالجَماعَةِ، وقد جاءَ في الحديثِ المنُظِمِ لِلصَّلاةِ كأنهُ في الصَّلَاةِ.

[استحباب الصَّوْم للمعتكف]

ومن محاسِنهِ أيضًا اشتراطُ الصَّوْم في حقِّه، والصائِمُ ضيفُ اللهِ تعالى، فَالأليَقُ أنْ يكونَ في بيتِ اللهِ تعالى، ومن محاسنهِ أيضًا تشبيهُ المعتكِفِ نفسُهُ بِمَنَ لا يعصُوَنَ اللهَ ما أمرَهُم، ويفعلونَ ما يُؤْمَرونَ، وبالذين يَسبحونُ لهُ بالليلِ والنهارِ وهم لا يسأَمُونَ أنّ في كُلٍّ منهم تَرْكُ الأَكْلِ والشُرْبِ بَقَدِرِ الإمكانِ لِطَلَبِ الخيراتِ، وامتثالِ لِأَوامرَ اللهِ تعالى في الإتيانِ بالطاعاتِ) (٧)، ثُمَّ يحتاجُ هاهنا إلى معرفةِ عشرةِ أشياءٍ إلى تفسيرِ الِاعْتِكَافِ لغةً، وشريعةً، وصفتهُ، وُركنَهُ، وشرطُه، وسببُهُ، وحكْمُهُ، ونقائِضُهُ، ومحظوراتُهُ، وآدابهُ (٨).


(١) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٧٦)، البناية (٣/ ٧٣٧).
(٢) زيادة في (ب).
(٣) يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣٤٧).
(٤) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٧٦، ١٧٧).
(٥) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٣٨٦، ٣٨٧)، وكشف الْأَسْرَار (١/ ٤٠٨).
(٦) يُنْظَر: كشف الْأَسْرَار (٢/ ١٨٢)، الجوهرة النيرة (١/ ١٧٨).
(٧) زيادة في (ب).
(٨) يُنْظَر: الجوهرة النيرة (١/ ١٤٥).