للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(وَيَرْمُلُ في الثَّلاث الأُول) (١).

[كيفية الطواف]

الرَّمل، والرملَان بالتحريك فيها، الهرولة من حد نصَرَ، وكان ابن عباس - رضي الله عنه - يقول: لا رمل في الطواف، وإنما فعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إظهارًا للجلادة للمشركين على ما روي في عمرة القضاء، وهو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قدم مكة للعمرة في عام الحُدَيْبيةُ (٢) صده المشركون عن البيت، فصالحهم على أن ينصرف، ثُمَّ يرجع في العام الثاني، ويدخل مكة بغير سلاح فيعتمر ويخرج، فلما قدم في العام الثاني أخلوا له البيت ثلاثة أيام، وصعدوا الجبل.

طاف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه، فسمع بعض المشركين يقول لبعض: أضناهم حُمى يثرب. فاضطبع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رداءه فرمل، وقال لأصحابه: «رحم الله امرءًا أرى من نفسه قوة» (٣)، فإذا كان ذلك لإظهار الجلادة يومئذ، وقد انعدم ذلك المعنى الآن فلا معنى للرمل.

والمذهب عندنا: أن الرَّمل سنة لحديث جابر، وابن عمر (٤) -رضي الله عنهم-: «أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- طافَ يومَ النحرِ في حجةِ الوداعِ فرمل في الثلاث الأول» (٥)، ولم يبق المشركون بمكة في عام حجة الوداع، وروي [أن] (٦) عمر - رضي الله عنه - لما أراد الرمل في طوافه فقال: "عَلامَ أهزُ كتفي وليس هاهنا أحدٌ رأيته، ولكني رأيتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يفعلهُ فأفعلهُ اتباعًا له" (٧).


(١) انظر: بداية المبتدي (١/ ٤٤)
(٢) الحُدَيْبيةُ: مخففة وكثرمن المحدثين يشددونها، وكانت قرية صغيرة، سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة، وعندها بايع الصحابة رضوان الله عليهم نبيهم -صلى الله عليه وسلم- بيعة الرضوان، سنت ست، وهي غرب مكة على طريق جدة، نحو (٢٢ كيلو تقريباً) من مكة.
انظر: النهاية في غريب الحديث (١/ ٣٤٩)، معجم البلدان (٢/ ٢٢٩)، تهذيب الأسماء واللغات (٢/ ١/ ٨٢).
(٣) متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الرَّمَلِ] (٢/ ١٥٠) برقم: [١٦٠٢]، وأخرجه مسلم في "صحيحه" باب: [اسْتِحْبَابِ الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ وَالْعُمْرَةِ، وَفِي الطَّوَافِ الْأَوَّلِ فِي الْحَجِّ] (٢/ ٩٢٣) برقم: [١٢٦٦]، وأخرجه أحمد في "المسند" (٥/ ٤٧٢) برقم: [٣٥٣٦]، بلفظ: «أَنَّ قُرَيْشًا قَالَتْ: إِنَّ مُحَمَّدًا، وَأَصْحَابَهُ قَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لِعَامِهِ الَّذِي اعْتَمَرَ فِيهِ، قَالَ لِأَصْحَابِهِ: " ارْمُلُوا بِالْبَيْتِ لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ قُوَّتَكُمْ " فَلَمَّا رَمَلُوا، قَالَتْ قُرَيْشٌ: مَا وَهَنَتْهُمْ» وأقرب لفظ لما وقع في النسخة هو لفظ أحمد في "المسند".
(٤) ساقطة من (ب).
(٥) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" باب: [الطَّوَافِ رَاكِبًا] (٥/ ١٦٤) برقم: [٩٣٨٣]، بلفظ: «قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطُّفَيْلِ، يَقُولُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ أَخْبَرَنَاهُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو وَثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، ثنا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ، ثنا جَدِّي يَزِيدُ بْنُ مُلَيْكٍ فَذَكَرَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " أَمَّا شُعْبَةُ الَّذِي طَافَ لِمَقْدِمِهِ فَعَلَى قَدَمَيْهِ؛ لِأَنَّ جَابِرًا الْمَحْكِيُّ عَنْهُ فِيهِ أَنَّهُ رَمَلَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ». انظر: في البخاري باب: [الزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ] (٢/ ١٧٥) برقم: [١٧٣٢].
(٦) في (ب، ج) ابن.
(٧) أخرجه ابن أبي شيبة (٤/ ٣٢)، والبيهقي (٥/ ١٢٨).
قلت: وروي مرفوعاً من حديث أبي سعيد وابن عمر رضي الله عنهما وإسنادهما ضعيف كما ذكر الحافظ ابن حجر في الدراية (٢/ ٢٦).