للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«ولأنَّ الفعل الاختياري مما يقطع النِّسبة» (١)؛ أي: القتل الصادر من الولي باختياره الصحيح من غير إجبار مما يقطع نسبة القتل إلى الشُّهود، فكان القتل مقصوراً على الولي، فلم يكن الشَّاهد قاتلاً؛ لأن تحلل فعل فاعل مختار تقطع النِّسبة إلى الأول كمن حل قيد عبد إنسان فأبق العبد؛ لا ضمان على الحال لما قلنا بخلاف المكره؛ فإن له اختياراً فاسداً وللمكره اختيار صحيح، والفاسد بمقابلة الصَّحيح بمنزلة المعدوم، فصار المكره بمنزلة الآلة للمكره؛ فلذلك انتقل فعل المكره إلى المكره.

[في رجوع شهود الأصل وإنكار شهادة الفروع على شهادتهم]

«ولو رجع شهود الأصل وقالوا لم نشهد شهود الفرع على شهادتنا، فلا ضمان عليهم» (٢)؛ أي: فلا ضمان على شهود الأصل بالإجماع إذا كان رجوعهم بهذا التفسير.

«وأمَّا لو قالوا أشهدناهم وغلطنا» (٣) في إشهادنا فعند محمد/ عليهم الضَّمان في هذه الصورة (٤).

«لأنَّهم أنكروا السبب» (٥) أي لأنَّ شهود الأصل انكروا سبب إتلاف مال المدعى عليه/ «وهو الإشهاد» على شهادتهما، «ولا يبطل القضاء لأنَّه خبر محتمل» (٦)؛ أي: لأنَّ إنكارهم الإشهاد خبر مُتَميِّل بين الصِّدق والكذب؛ فلا يبطل قضاء القاضي كما لو شهد [شاهدا] (٧) الأصل به بأنفسهما وقال القاضي بشهادتهما ثم رجعا (٨).

«وإن قالوا أشهدناهم وغلطنا ضمنوا» (٩).

«وكذلك لو قالوا أشهدناهم على شهادتنا؛ [ولكنا] (١٠) رجعنا عن ذلك فعند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله لا يضمن الأصول.

وعند محمد - رحمه الله - (١١) يضمنون المال؛ لأنَّ الفرعين قاما مقام الأصلين في نقل شهادتهما إلى مجلس القاضي.

فأمَّا القضاء فيحصل بشهادة الأصلين فلهذا تعتبر عدالتهما فصار كأنَّهما حضرا بأنفسهما وشهدا ثم رجعا، فيلزمهما الضمان وهما قالا: الموجود من الأصلين شهادة في غير مجلس القضاء، والشَّهادة في غير مجلس القضاء لا يكون سبباً لإتلاف شيء، فلا يلزمهما الضمان وإن رجعا عن ذلك؛ لأن الشَّهادة تختص بمجلس القضاء كالرجوع، وقد بينا أن الرجوع في غير مجلس القضاء لا يوجب الضَّمان على الشُّهود؛ فكذلك الشَّهادة في غير مجلس القضاء ولا نقول إنَّ الفروع نائبون عن الأصول في نقل شهادتهم إلى مجلس القضاء فإنَّهم بعد الاشهاد لو منعوهم عن أداء الشَّهادة كان عليهم الأداء إذا طلب المدَّعى ولو كانوا نائبين عن الأصول لما كان لهم ذلك إذا منعهم الأصول عن الأداء؛ ولكنهم يشهدون على ما تحملوا وهو إشهاد الأصول إياهم على شهادتهم، ولو شهدوا على الحق نفسه ما كانوا نائبين فيه عن أحد؛ فكذلك إذا شهدوا على شهادة الأصول والجهتان متغايرتان، فإن إحديهما إشهاد، والثانية أداء للشَّهادة عند مجلس القاضي، فلا يجمع بينهم في التضمين؛ أي: لا يقال بأن الأصلين يضمنان نصف مال المدعى عليه والفرعين يضمنان نصف ماله؛ بل المدعى عليه يخير في تضمين أيِّ الفريقين [شاء] (١٢)؛ لأنَّه لا تجانس بين شهادتي الفريقين؛ لأنَّ شهادة الأصول قد كانت على أصل الحق وشهادة الفروع على شهادة الأصول، ولا مجانسة بينهما ليجعل الكل في حكم شهادة واحدة، فيكون الضمان عليهم جميعاً؛ بل يجعل كل فريق كالمنفرد والمشهود عليه يُضَمِّنُ أي الفريقين شاء كالغاصب مع غاصب الغاصب للمغصوب منه أن يضمن أيهما شاء». هذا كله من المبسوط (١٣).


(١) الهداية (٣/ ١٣٤).
(٢) الهداية (٣/ ١٣٤).
(٣) الهداية (٣/ ١٣٤).
(٤) ينظر: البداية (١/ ١٥٩)، الهداية (٣/ ١٣٤) تبيين الحقائق (٤/ ٢٥١)، الجوهرة النيرة (٢/ ٢٣٩).
(٥) الهداية (٣/ ١٣٤).
(٦) الهداية (٣/ ١٣٤).
(٧) في «ج»: [شاهد].
(٨) ينظر: المبسوط (١٧/ ٢١).
(٩) الهداية (٣/ ١٣٤).
(١٠) في «ج»: [ولكن].
(١١) سقط من: «ج».
(١٢) في «ج»: [يشاء].
(١٣) المبسوط (١٧/ ٢١).