للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلُهُ -رحمه الله-: (وَفِي اللَّيْلِ يَتَخَيَّرُ) (١) لَكِنَّ الْجَهْرَ أَفْضَلُ، كَذَا فِي " الْمَبْسُوطِ " (٢).

قُلْتُ: وَهَذَا الْحُكْمُ وَهُوَ أَفْضَلِيَّةُ الْجَهْرِ يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ -رحمه الله-: (اعْتِبَاراً بِالْفَرْضِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ) قَدْ أَثْبَتَ قَبْلَ هَذَا أَفْضَلِيَّةَ الْجَهْرِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ فِي الْفَرْضِ، ثُمَّ اعْتَبَرَ هَذَا بِذَلِكَ فَكَانَ الْحُكْمُ هُنَا ثَابِتاً؛ بِمِثْلِ (٣) الصِّفَةِ؛ الَّتِي ثَبَتَ ذَلِكَ الْحُكْمُ هُنَاكَ، وَكَانَ الْحُكْمُ هُنَاكَ التَّخْيِيرَ مَعَ أَفْضَلِيَّةِ الْجَهْرِ (٤) فَكَذَا هُنَا، وَكَذَلِكَ التَّبَعِيَّةُ تَسْتَدْعِي هَذَا أَيْضاً لَمَّا أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَتْبُوعِ حُكْمٌ فِي التَّبَعِ فِيمَا يَصْلُحُ تَبَعاً لَهُ كَالْجُنْدِيِّ يَصِيرُ مُقِيماً فِي الْمَفَازَةِ بِإِقَامَةِ إِمَامِهِ فِي الْمِصْرِ.

وَبِقَوْلِنَا فِيمَا يَصْلُحُ تَبَعاً لَهُ وَقَعَ الاحْتِرَازُ عَنْ حُكْمِ الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ؛ فَإِنَّهُ إِذَا صَلَّى الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَثُمَّ شَرَعَ فِي الظُّهْرِ، وأفسدها يَسْرِي ذَلِكَ (٥) إِلَى إِفْسَادِ السُّنَّةِ قَبْلَهَا، وَإِنْ كَانَتْ شَرْعِيَّتُهَا لِتَكْمِيلِ الْفَرْضِ أَيْضاً؛ لَمَّا أَنَّ لِكُلِّ (٦) وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَحْرِيمَةً؛ مُبْتَدَأَةً غَيْرَ مَبْنِيَّةٍ احديهما عَلَى الْأُخْرَى.

(وَقَوْلُنَا: غَيْرُ مَبْنِيَّةٍ؛ احْتِرَازٌ عَنْ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي، حَيْثُ تَفْسَدُ بِفَسَادِ صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَتْ لِصَلَاةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا تَحْرِيمَةٌ مُبْتَدَأَةٌ) (٧).

[[الجهر بالقراءة في التهجد]]

ثُمَّ ذَكَرَ لِأَفْضَلِيَّةٍ (٨) فِي الْجَهْرِ فِي التَّطَوُّعِ بِاللَّيْلِ فِي " الْمَبْسُوطِ " حَدِيثاً وَقَالَ: (فَإِنْ شَاءَ جَهَرَ؛ وَهُوَ أَفْضَلُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: «أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فِي تَهَجُّدِهِ كَانَ يُونِسُ الْيَقْظَانَ، وَلَا يُوقِظُ الْوَسْنَانَ» (٩).


(١) قال صاحب الهداية: (وفي التطوع بالنهار يخافت وفي الليل يتخير اعتبارا بالفرد في حق المنفرد وهذا لأنه مكمل له فيكون تبعا له). "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني" (١/ ٤٥).
(٢) "المبسوط" للسرخسي (١/ ١٧).
(٣) في (ب): (مثل).
(٤) (الْجَهْرِ) ساقطة من (ب).
(٥) في (ب): (لا يسري).
(٦) في (ب): (كل).
(٧) ما بين القوسين ساقط من (ب).
(٨) في (ب): (أفضلية).
(٩) رواه الترمذي في سننه (١/ ٥٦٩) من حديث ْ أَبِي قَتَادَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأَبِي بَكْرٍ: مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تَقْرَأُ وَأَنْتَ تَخْفِضُ مِنْ صَوْتِكَ، فَقَالَ: إِنِّي أَسْمَعْتُ مَنْ نَاجَيْتُ، قَالَ: ارْفَعْ قَلِيلاً، وَقَالَ لِعُمَرَ: مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تَقْرَأُ وَأَنْتَ تَرْفَعُ صَوْتَكَ، قَالَ: إِنِّي أُوقِظُ الوَسْنَانَ، وَأَطْرُدُ الشَّيْطَانَ، قَالَ: اخْفِضْ قَلِيلاً».
قال الترمذي: وَفِي البَابِ عَنْ عَائِشَةَ، وَأُمِّ هَانِئٍ، وَأَنَسٍ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ.
وقال الترمذي: (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ). وَإِنَّمَا أَسْنَدَهُ يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ إِنَّمَا رَوَوْا هَذَا الحَدِيثَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ مُرْسَلاً.
(الوسنان): أي النائم الذي ليس بمستغرق في نومه (وَأَيْقَظَ الْوَسْنَانَ) نَبَّهَهُ، انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر لإبن الأثير" (٥/ ١٨٦)، " المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (ص: ٥١٢).