للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المزكون إذا رجعوا عن التزكية ضمنوا]

«وإن رجع المزكون عن التزكية ضمنوا … » (١) إلى آخره.

وفي المبسوط: «وإذا شهد الشُّهود على رجل بالزنا وزكاها المزكون/ وزعموا أنَّهم أحرار مسلمون فرجمه الإمام، ثم تبين أنَّهم عبيد أو مجوس، فإن ثبت المزكون على التزكية وزعموا أنَّهم أحرار، فلا ضمان عليهم ولا على الشُّهود؛ أما على الشُّهود؛ فلأنَّه لم يتبين كذبهم ولم تقبل شهادتهم إذ لا شهادة على المسلمين للعبيد والكفار، وأمَّا على المزكين؛ فلأنَّهم اعتمدوا على ما سمعوا من إسلامهم وحريتهم، وإنَّما زكوهم بقول الناس، فلم يتبين كذبهم فيما أخبروا به القاضي من قول النَّاس أحرار مسلمون، وأمَّا إذا رجعوا عن التَّزكية، وقالوا تعمدنا فعليهم ضمان الدية في قول أبي حنيفة - رحمه الله - (٢).

وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: لا ضمان على المزكين؛ ولكن الدية في بيت المال في الوجهين؛ لأنَّ المزكين ما أثبتوا سبب الإتلاف فسبب الإتلاف الزنا وما تعرضوا؛ وإنَّما أثنوا على الشُّهود خيراً [فكانوا] (٣) في المعنى كشهود الإحصان.

وأبو حنيفة/ يقول: المزكُّون جعلوا ما ليس بموجب موجباً فكانوا بمنزلة من أثبت سبب الإتلاف.

وبيان ذلك أنَّ الشَّهادة لا توجب شيئاً بدون تزكية وسبب الإتلاف الشَّهادة؛ وإنَّما كانت الشَّهادة موجبة بالتَّزكية، فكانت التزكية علة العلة، وهي بمنزلة العلة في إضافة الحكم إليها بخلاف شهود الإحصان، فإنَّ الشَّهادة على الزنا بدون الإحصان موجبة للعقوبة وشهود الإحصان ما جعلوا ما ليس بموجب موجباً، وأمَّا الشَّهادة فلا توجب شيئاً بدون التزكية، فمن هذا الوجه يقع الفرق بينهما؛ ولهذا يشترط الذكورة في المزكين كشهود الزنا.

ويثبت الإحصان بشهادة النِّساء مع الرجال.

فإن قال المزكون: هم عدول، فلا شيء عليهم بالاتفاق؛ لأنَّهم صادقون في ذلك، والعبد قد يكون عدلاً؛ فلهذا لا يضمن المزكون». كذا في كتاب الحدود من المبسوط (٤).

«فصارت»؛ أي: فصارت التزكية «في معنى علة العلة» (٥) من حيث التأثير؛ وذلك لأنَّ العلة مؤثرة في إثبات الحكم، وكذلك علة العلة مؤثرة أيضاً في إعمال العلة إذ الشَّهادة لا تصير واجبة العمل إلا بالتزكية بخلاف شهود الإحصان، فإنَّ ذلك ليس بمؤثر في إثبات الزنا، فإن شهود الإحصان بشهادتهم على إحصانه أثبتوا للزاني خصال حميدة بقولهم: إنَّه مسلم حر تزوج امرأة بنكاح صحيح، وقد أوفى حقها شرعاً بالدُّخول، وكان ثبوت الخصال الحميدة في حقه مانعاً عن الزنا ومثبت ما يوجب المنع عن الشيء لا يكون كمثبت من يوجب وجود ذلك الشَّيء إذ هما على طرفي نقيض إذ الزنا أمر مذموم وهذه الخصال أمور محمودة، فلا يناط المذموم بالمحمود، فأي شيء هو يوجب الزنا، فهو يوجب الجلد أو الرجم، وهذه الأوصاف مانعة عن الزنا؛ فكيف يكون مثبتها مثبتا للزِّنا، فلما لم يوجب الزنا لم يوجب الرجم أيضاً؛ لأنَّ [نصَّ] (٦) ذلك حكم الزنا عند وجود الإحصان (٧).


(١) الهداية (٣/ ١٣٤).
(٢) في «س»: -رضي الله عنه-.
(٣) في «س»: [وكانوا].
(٤) المبسوط (٩/ ٦٠).
(٥) الهداية (٣/ ١٣٤).
(٦) سقط من: «س».
(٧) ينظر: تبيين الحقائق (٤/ ٢٥٢، ٢٥٣).