للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنَّما قلنا ذلك، لأنَّ ربَّ الدين لا يملك الدين حقيقة قبل القبض؛ لأن الديون تقضى بأمثالها لا بأعيانها، فكان ما أدى المديون إلى البائع، أو إلى رب الدين ملك المديون، ورب الدين لا يملك ما في ذمة المديون قبل القبض حقيقة، فكان أمر رب الدين للمديون بالدفع إلى البائع أمراً فيما لا يملكه فكان باطلاً.

وفي المبسوط: «ولأبي حنيفة - رحمه الله - أنَّ رب الدين أمره بصرف الدين إلى من يختاره المديون بنفسه، وذلك باطل كما لو قال: ادفع ما لي عليك من الدين إلى من شئت، أو ألقه في البحر كان باطلاً، وبه فارق العين، فإنه لو قال ادفع ما لي في يدك إلى من شئت، أو ألقه في البحر كان صحيحاً، ووجه الفرق بينهما أن المديون إنما يقضي الدين بملك نفسه، وهو في تصرفه في ملك نفسه بالدفع إلى الغير لا يحتاج إلى إذن الآمر [فكان] (١) وجود أمره كعدمه.

فأما في العين فتصرفه في ملك الغير ولا يملك ذلك إلا بإذن من له الحق، وهذا بخلاف ما إذا عين المسلم إليه، أو البائع، وكان أمره معتبراً في ذلك الرجل بالقبض له أولاً، ثم لنفسه أمَّا ها هنا لا يمكن اعتبار أمره في توكيل [القابض] (٢) بقبضه؛ لأنَّه توكيل المجهول، وذلك باطل» (٣).

[في التوكيل بشراء جارية بخمسمائة والخلاف في ذلك]

«وإن كانت قيمتها خمسمائة فللمخالفة» (٤)؛ لأنها مخالفة إلى شرط فتلزم التوكيل.

وقوله: «وإن كانت قيمتها ألفاً فمعناه أنهما يتخالفان» هذا لدفع شبهة ذكرها في بعض شروح الجامع الصغير، وهي: فإن قيل فلما كانت الجارية تساوي ألفاً ينبغي أن تلزم الآمر، سواء قال الوكيل اشتريتها بألف، أو بأقل منها لأنه [لما] (٥) اشتراها بألف فقد وافق أمر الآمر؛ لأنَّ الكلام فيما إذا أمر الآمر بأن يشتري له بالألف جارية، وكذلك إن اشتراها بخمسمائة ينبغي أن تلزم على الآمر أيضاً؛ لأنه خلاف إلى خير، وهو لا يكون مخالفة؛ فإن من وكَّل وكيلاً بأن يشتري له جارية بألف درهم، فاشترى له جارية تساوي ألف درهم، وخمسمائة درهم يلزم الآمر.

قلنا: المراد بقوله: القول قول الآمر إنَّما يتحالفان إذا كانت تساوي ألفاً فإذا حلف كانت الجارية للمأمور؛ لأنَّ الوكيل بالشِّراء مع الموكل نزل منزلة البائع مع المشتري فصار كأنه اشترى لنفسه، ثم باعه من الآمر، والاختلاف في الثمن بين البائع، والمشتري يوجب التحالف، وإذا تحالفا يفسخ البيع التقديري الذي جرى بين الوكيل، والآمر، فتبقى الجارية للمأمور. كذا في الجامع الصغير لقاضي خان وصدر الإسلام وغيرهما (٦).


(١) في «ج»: [وكان].
(٢) في «ج»: [التقابض].
(٣) المبسوط (١٢/ ٢١١).
(٤) الهداية (٣/ ١٤٣).
(٥) سقط من «ج».
(٦) ينظر: فتح القدير (٨/ ٦٤، ٦٥).