للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المكي إذا أحرم بالعمرة في أشهر الحج]

وأما النسخ فثابت عندنا (١) في حق المكي أيضًا حتى يعتمر في أشهر الحجّ فلا يكره له ذلك، ولكن لا يدرك فضيلة التمتع؛ لأن الإلمام قطع متعته (٢) كما قطع منعه الآفاقي إذا رجع بين النسكين إلى أهله قوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (٣)، فحاضرو المسجد الحرام عندنا أهل مكة، ومن كان في الميقات سواء كان بينه وبين مكة مسيرة سفر أو لم يكن.

وقال الشافعي (٤) -رحمه الله-: "هم أهل مكة، ومن حولها إذا لم يكن بينه وبين مكة مسيرة سفر" كذا في «مبسوط شيخ الإسلام» (٥) بخلاف المكّي إذا خرج إلى الكوفة (٦)، وقرن حيث يصح، وإنما خصه بالقران دون التمتع؛ لأنه لو اعتمر هذا المكي في أشهر الحجّ ثُمَّ حج من عامة ذلك لا يكون متمتعًا؛ لأن الآفاقي إنما يكون متمتعًا إذا لم يلم بأهله بين النسكين إلماماً صحيحًا، والمكي هاهنا يلم بأهله بين النسكين حلالًا إن لم يسق الهدي، وكذلك إن ساق الهدي لا يكون متمتعًا بخلاف الآفاقي إذا ساق الهدي، ثُمَّ ألّم بأهله محرمًا كان متمتعًا؛ لأن العود هناك مستحق عليه، فيمنع ذلك صحة إلمامه بأهله. وأما في المكي هذا (٧) العود غير مستحق عليه، وإن ساق الهدي فكان إلمامه بأهله صحيحًا فلذلك لم يكن متمتعًا، كذا في «المبسوط» (٨).


(١) اختلف مشايخ الحنفية في هذه المسالة على أقوال فالقول المشهور: أنه ليس لأهل مكة وأهل المواقيت ومن بينها وبين مكة تمتع، فمن تمتع منهم كان عاصياً ومسيئاً وعليه لإساءته دم جبر، نص على ذلك نص البدائع العناية، والتحفة، والمحيط، والكرماني، والاسبيجابي، القول الثاني: كراهة العمرة المفردة للمكي في أشهر الحج وإن لم يحج عن عامه، وإليه ذهب صاحب البدائع، القول الثالث: عدم كراهة العمرة للمكي في أشهر الحج وإن لم يحج من عامه إلا أنه لا يدرك فضيلة التمتع، ولا يلزمه الدم، وإليه ذهب مؤلفنا السغناقي رحمه الله.
راجع المسألة في: العناية (٣/ ١٠ - ١١)، البدائع (٢/ ١٦٦ - ١٧١)، الفتح (٣/ ١٠)
(٢) في (ب): تبعته.
(٣) سورة البقرة من الآية (١٩٦).
(٤) انظر: المجموع (٧/ ١٧٤)، مغني المحتاج (٢/ ٢٨٨).
(٥) انظر: المبسوط للشيباني (٢/ ٥٢٠)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٢/ ١٦٩).
(٦) الكوفة: هي المدينة المشهورة، وهي أحدى مدن العراق، قال ابن عباس الهمداني: الكوفة مثل اللهاة من البدن يأتيها الماء بعذوبة وبرودة.
انظر: معجم البلدان (٤/ ٤٩٠).
(٧) ساقطة من (ب).
(٨) انظر: المبسوط (٤/ ١٦٩).