للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكمُ صَلاة العُرْيَان]

وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِجَوَازِ الصَّلَاةِ عُرْيَانًا فِي حَالَةِ الاخْتِيَارِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى عُرْيَانًا، كَانَ [ذَلِكَ] (١) تَارِكًا لِفَرَائِضَ؛ مِنْهَا سَتْرُ الْعَوْرَةِ، وَمِنْهَا الْقِيَامُ، وَالرُّكُوعُ، وَالسُّجُودُ، وَإِذَا صَلَّى فِيهِ كَانَ تَارِكاً فَرْضاً وَاحِداً؛ وَهُوَ طَهَارَةُ الثَّوْبِ، فَهَذَا الْجَانِبُ (٢) أَهْوَنُ.

وَقَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ شَيْئَيْنِ إِلَّا اخْتَاَر أَهْوَنَهُمَا» (٣) فَمَنِ ابْتُلِيَ بِبَلِيَّتَيْنِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَخْتَارَ أَهْوَنَهُمَا) (٤).

وَفِي "الأسرار" إِنَّ خِطَابَ التَّطْهِيرِ (٥) سَاقِطٌ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، فَصَارَ هَذَا الثَّوْبُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ خِطَابُ التَّطْهِيرِ، وَثَوْبٌ طَاهِرٌ، بِمَنْزِلَةٍ؛ وَلِأَنَّ رُبْعَ الثَّوْبِ، لَوْ كَانَ طَاهِراً، لَمْ يَجُزْ إِلَّا أَنْ يُصَلِيَ فِيهِ، فَكَذَلِكَ هَا هُنَا؛ لِأَنَّ نَجَاسَةَ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ، فِي إِفْسَادِ الصَّلَاةِ فِيهِ، وَنَجَاسَةُ الْكُلِّ، سَوَاءٌ حَالَةَ الاخْتِيَارِ وَهُمَا سَوَاءٌ (٦) أَيْضًا حَالَةَ الاضْطِرَارِ، فِي أَنْ لَا يُفْسِدَهَا؛ إِلَّا أَنَّا نَقُولُ إِنَّ خِطَابَ السَّتْرِ؛ بِسَبَبِ النَّجَاسَةِ، سَاقِطٌ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى، مَا خَاطَبَ بِالسَّتْرِ لِلصَّلَاةِ، إِلَّا بِالطَّاهِرِ، وَلَمَّا سَقَطَ الْخِطَابُ بِالسَّتْرِ عَنْهُ، صَارَ حَالُ الْعُرِيِّ، كَحَالِ السَّتْرِ، بِاعْتِبَارِ أَنَّ خِطَابَ السَّتْرِ عَنْهُ، سَاقِطٌ فَحِينَئِذٍ صَارَ عُرِيُّ الْعَوْرَةِ، كَعُرِيِّ الْوَجْهِ، فِي حَقِّ سُقُوطِ الْخِطَابِ بِالسَّتْرِ، فَلَمَّا اسْتَوَى الْجَانِبَانِ، مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ بَيْنَهُمَا، كَانَ مُخَيَّراً بَيْنَهُمَا، وامَّا إِذَا كَانَ رُبُعُ الثَّوْبِ طَاهِراً، فَقَدْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْخِطَابُ، بِقَدْرِ الطَّاهِرِ إِنْ سَقَطَ بِقَدْرِ النَّجِسِ فَرَجَّحْنَا جِهَةَ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْبَابَ بَابُ الْعِبَادَاتِ، وَإِنَّمَا قَدَّرُوا (٧) بِالرُّبُعِ، لِأَنَّهُ حَدٌّ لِلْكَثِيرِ (٨) الْفَاحِشِ فِي بَابِ الْعَوْرَةِ، وَالنَّجَاسَةِ الْخَفِيفَةِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَحْسَنُ، كَذَا فِي "الأسرار".


(١) زيادة من: (ب)
(٢) في (ب): (الجناية).
(٣) أخرجه البخاري في"صحيحه" (٣/ ٥٥٢)، كتاب الحدود، باب إقامة الحدود والانتقام لحرمات الله، حديث (٦٥٤٦)، وأخرجه مسلم في"صحيحه" (ص ٩٥٠)، كتاب الفضائل، باب مباعدته -صلى الله عليه وسلم- للآثام واختياره من المباح، حديث (٢٣٢٧). لكن لفظ الشيخان: «إلا اختارَ أيسرهُما».
(٤) "المبسوط" للسرخسي (١/ ١٨٧).
(٥) في (ب): (التطهر)
(٦) في (ب): (وفيما سبق)
(٧) (قدروا): ساقطة من (ب).
(٨) في (ب): (الكثير).