للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلتَ: ما جواب أبي حنيفة (١) - رحمه الله- عما لو قالا: إن كسب العبد المأذون المديون بمنزلة الرقبة من حيث إن حق الغريم/ فيه تَقدَّم على حق الموْلَى، ثم قيام الدين عليه لا ينافي ملك الموْلَى في رقبته، فيجب ألا ينافي ملكه في كسبه؛ لما أن الكسب يُملك (٢) بملك الرقبة، والتعليل بحاجة العبد لمنع ملك الموْلَى (٣) عن كسبه لا يصح؛ لأن حاجته إلى النفقة والكسوة قائمة، وتلك الحاجة لم تمنع ملك الموْلَى في كسبه فكذلك حاجته إلى قضاء الدين ينبغي ألا يمنع ملك الموْلَى في كسبه؛ ولأن الموْلَى لو وطئ جارية عبده المأذون، وعليه دين محيط برقبته، فجاءت بولد فادَّعاه ثَبت نسبه بالاتفاق (٤)؛ ولا يَغْرَمُ (٥) عُقْرِها لا قليلًا ولا كثيرًا، ولو لم يملك كسب عبده المديون (٦) لكانت الأحكام على العكس (٧).

[لا يخلف الموْلَى المأذون في ملك رقبته]

قلتُ: أما الجواب عن الأول فنقول إن كسبه ليس نظير رقبته؛ لأن الموْلَى لا يخلفه في ملك رقبته، بل كان مالكًا لرقبته لا بالاكتساب من العبد، فبقي ملكه في الرقبة بعد لحوق الدين فكان في هذا نظير المكاتَب فالموْلَى مَلَكَ رقبته حتى نفذ منه العتق في رقبته، ويؤدي به كفارته، ولا يملك كسبه بقيام حاجته فيه، وكذلك في العبد المديون لا يملك كسبه وإن كان يملك رقبته؛ فعُلم بهذا أن ملك الرقبة غير مستلزم لملك الكسب؛ لوجود دليل المفارقة.

وأما عن الثاني: فالحاجة إلى قضاء الدين من كسبه ليست كالحاجة إلى الطعام والكسوة، فإن الرقيق لا يحتاج إلى ذلك؛ لأنه يستوجب (٨) النفقة على الموْلَى إذا لم يكن له كسب، وأما الدين فلا يُؤَدِّيه الموْلَى، فلم تكن حاجته إلى الكسب في حق قضاء الدين مثل حاجته (٩) إلى الطعام والكسوة، ولا ينقاسان.


(١) انظر: المبسوط للسرخسي (٢٥/ ١٤٨)، تبيين الحقائق (٥/ ٢١٣).
(٢) سقطت في (ع).
(٣) في (ع) زيادة (في رقبته، فيجب ألا ينافي ملكه).
(٤) انظر: بدائع الصنائع (٧/ ١٩٩)، البناية شرح الهداية (١١/ ١٥٨).
(٥) في (ع) (يثبت) وما أثبت هو الصحيح. انظر: بدائع الصنائع (٧/ ٢٠٠).
(٦) في (ع) (المأذون).
(٧) انظر: بدائع الصنائع (٧/ ٢٠٠)، تبيين الحقائق (٥/ ٢١٣).
(٨) في (أ) (مسنوحش) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (٢٥/ ١٤٨).
(٩) في (أ) (خدمته) وما أثبت هو الصحيح.