للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمّا قوله: مَعْنَى الْآدَمِيَّةِ فِي الْحُرِّ أَكْمَلُ، فَكَانَتْ مَالِكِيَّتُهُ أَبْلَغَ وَأَكْثَرَ.

قلنا: أنّ الحجر يثبت مرّة بأحوال المالك مع قيام أهل الملك، كما في الصبي والمجنون، ومرّة يثبت لمعنى في المحلّ، بأن لا يقبل التّصرف، كالعصير يتخّمر والعبد يأبق، وههنا المرأة محل هذا العقد، فيقع الاختلاف في التصرّف بسبب اختلال المحلّ؛ لما أنّ حل المحلّ يختلّ بالرّق على ما مرّ كذا في «المبسوط» (١) و «الأسرار».

لأن ملك النكاح حق العبد؛ لأنّ النكاح من خواصّ الآدمية والعبد مبقي على أصل الحريةفيها، فعلى هذا يجب أن يملك العبد النكاح بدون إذن المولى، لكن لو قلنا به يتضرّر المولى، فلذلك لم يملك بدون إذن المولى، والله تعالى أعلم بالصّواب وإليه المرجع والمآب.

باب إيقاع الطّلاق

لما ذكر أصل الطّلاق ووصفه، شرع في بيان تنويعه، فقال: الطّلاق على ضربين أي: التّطليق (٢) بأن ورود الفعال بفتح الفاء بمعنى التّفعيل شايع في كلامهم كالسّلام والكلام والسّراح وأنّه يعقب الرجعة (٣) بالنصّ وهو قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} (٤)، وهذه الآية تدل على أنّ الطّلاق الرجعي لا يرفع الزّوجية، ولا يبطلها، فإنّ الله تعالى سمّاه بعلاً (٥) بعد الطّلاق وهو الزّوج (٦).

فإن قيل: أليس أنّ الله تعالى قال: {أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ}، وإنّما يستعمل الردّ فيما زال عنه ملكه، فأمّا ما هو في حكم ملكه لا يصحّ أن يقال: مردها إلى ملكه، قيل لهم: يجوز إطلاق اسم الرد عند انعقاد سبب زوال الملك، فيكون الردّ بمعنى المنع للسبّب عن إثبات الزوال، ويكون فسخًا للسّبب، فإنّ اسم الردّ كما يطلق لفسخ السببّ والحكم جميعًا [ففيه فسخ (٧) للسّبب والحكم]، كما إذا اشترى جارية فوجد بها عيباً، ففسخ، يقال: رد الجارية بالعيب يطلق لفسخ السّبب فقط، وإذا اشترى على أنّهما بالخيار، ولم يثبت الملك للمشتري بالاتفاق (٨)، ثم إذا فسخها يقال: ردّ الجارية، ففيه فسخ للسّبب لا غير.


(١) المبسوط للسرخسي (٦/ ٤٠).
(٢) رفع قيد النِّكَاح المنعقد بَين الزَّوْجَيْنِ بِأَلْفَاظ مَخْصُوصَة. انظر: المعجم الوسيط (٢/ ٥٦٣).
(٣) الرجعة: وهي ارتجاع الزوجة المطلقة غير البائن إلى النكاح من غير استئناف عقدٍ. انظر: المطلع على ألفاظ المقنع (ص: ٤١٥).
(٤) [البقرة: ٢٢٨]
(٥) البعلُ: الزوج والصاحب. انظر: مجمل اللغة لابن فارس (ص: ١٢٨) والمراد هنا الأول.
(٦) ينظر: تفسير الطبري (٤/ ٥٢٧).
(٧) فسخ الشيء: نقضه، تقول: فَسَخْتُ البيع والعزمَ والنكاحَ، فانفسخ، أي انتقض. انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (١/ ٤٢٩).
(٨) يُنْظَر: البناية شرح الهداية (٨/ ٦٢).