للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا لم تكن شهادة النِّساء مع الرجال حجَّة في الحدود والقصاص/ بالشَّهادة على الشَّهادة أولى». كذا في المبسوط (١).

[في شهادة الشاهدين على شهادة شاهدين آخرين]

«وتجوز شهادة شاهدين على شهادة شاهدين» (٢) إلى آخره.

«اعلم أنَّه لا يجوز على شهادة رجل أو امرأة أقل من شهادة رجلين أو رجل وامرأتين عندنا.

وقال مالك - رحمه الله - (٣): تجوز شهادة الواحد على شهادة الواحد؛ لأنَّ الفرعي قائم مقام الأصلي معبر عنه، بمنزلة رسوله في إيصال شهادته إلى مجلس القاضي، وكأنَّه حضر وشهد بنفسه، واعتبر هذا برواية الإخبار، فإن رواية الواحد عن الواحد مقبولة (٤).

ومذهبنا مروي عن علي -رضي الله عنه-، والمعنى فيه أن شهادة الأصل [غابت] (٥) عن مجلس القاضي، فلا تثبت عنده إلا بشهادة شاهدين، كإقرار المقر، وهذا لأنَّها شهادة مُلزِمة فيما يجب على القاضي القضاء بشهادة الأصول، والعدد شرط في هذه الشَّهادة إذا كان ممكناً، بخلاف رواية الأخبار.

وإن شهد رجلان على شهادة رجلين جاز عندنا.

وقال الشافعي [رحمة الله عليه] (٦): لا يجوز إلا أن يشهد رجلان على شهادة كل واحد منهما، لأنَّ الفرعين يقومان مقام أصل واحد، فلا تتم حجَّةُ القضاء بهما، كالمرأتين لما قامتا مقام رجل واحد لم تتم حجَّةُ القضاء بشهادتهما (٧).

والدليل عليه أن أحد الفرعين لو كان أصلياً فشهد على شهادة نفسه وعلى شهادة صاحبه مع غيره لا تتم الحجة بالاتفاق، فكذا إذا شهدا جميعاً على شهادة الأصلين.

وحجتنا في ذلك أنَّهما يشهدان جميعاً على شهادة كل واحد منهما، وكما يثبت قول الواحد في مجلس القاضي بشهادة شاهدين، يثبت قول الجماعة، كالإقرار، وهذا لأنَّ الفرعين عددٌ تامٌ لنصاب الشَّهادة، وهما يشهدان على شهادة الأصل، لا على شهادة الحق، فإذا شهدا على شهادة أحدهما تثبت شهادتهم في مجلس القضاء، كما لو حضر فشهد بنفسه، ثم إذا شهدا على شهادة الآخر تثبت شهادته أيضاً في مجلس القضاء؛ إذ لا فرق بين شهادتهما على شهادته وبين شهادة رجلين آخرين بذلك، بخلاف شهادة المرأتين فذلك ليس بنصاب تام للشهادة، ولكن كل امرأة بمنزلة شطر العلة، والمرأتان شاهدٌ واحدٌ، وبالشَّاهد الواحد لا يتم نصاب الشَّهادة.


(١) المبسوط (١٦/ ١١٥).
(٢) الهداية (٣/ ١٢٩).
(٣) سقط من: «س».
(٤) ينظر: المدونة الكبرى (٤/ ٢٣)، الذخيرة للقرافي (١٠/ ٢٨٨).
(٥) في «ج»: [غائب].
(٦) في «س»: [رحمه الله].
(٧) ينظر: نهاية المطلب (١٩/ ٤٦)، المجموع شرح المهذب (٢٠/ ٢٦٩)، البيان للعمراني (١٣/ ٣٧٠).