للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتُ: معناه والعيب يثبت بقولهنَّ في حق سماع الدَّعوَى وحق التَّحليف، حتَّى إنَّهُنَّ لو لم يقُلُنَ أنَّها ثيِّبٌ ليس للمشتري؛ ولأنَّه تحليف البائع؛ بل القولُ قولُ البائع بقوله: «إنها بكر» لتمسكه بالأصل، وكان معنى هذا القول؛ أي: العيب يثبت بقولهنَّ في الحال، فيحلف البائع بأنَّه لم يكن بها ذلك العيبُ في الوقت الذي كانت في يدي، إنَّما احتِيج إلى شهادتهنَّ في إثبات العيب بها في الحال في حق التَّحليف، لما ذكر في باب العيوب بقوله: «ومن اشترى عبداً فادَّعى إباقاً، لم يحلَّف البائع حتَّى يقيم المشتري البيِّنة أنَّه أبَقَ عنده» (١)؛ أي: عند المشتري، إلى أن قال: «وإنكار البائع في حق التَّحليف إنَّما يعتبر بعد قيام العيب في يد المشتري ومعرفته بالحجة، فإذا أقامها حُلِّف» (٢).

«ولا بدَّ في ذلك كلِّه من العدالة» (٣).

وفي المبسوط: «والعدالةُ: هي الاستقامة، وليس لكمالها نهايةٌ؛ وإنما يُعتبر منه القدر الممكن، وهو انزجاره عما يعتقده حراماً في دينه» (٤).

وذكر في الذَّخيرة: وأحسنُ ما قيل في تفسير العدل ما نُقِلَ عن أبي يوسف - رحمه الله - أنَّ العدلَ في الشَّهادة أن يكون مجتنباً عن الكبائر، ولا يكون مُصِرِّاً على الصغائر، ويكون صلاحه أكثر من فساده، وصوابه أكثر من خطأه (٥).

«التعاطي» (٦): التناول.

[في شهادة أهل الأهواء]

والأول أصحُّ، وهو عدم قَبُولِ شهادة الفاسق مطلقاً، سواءٌ كان ذا وجاهةٍ أو لم يكن؛ وذلك؛ لأنَّ قَبُول الشَّهادة في العمل بها إكرام الشَّاهد، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «أكرموا الشهود فإنَّ الله تعالى يحيي الحقوق بهم» (٧).

وفي حق الفَاسق أمرنا بخلاف ذلك، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا لَقِيتَ الفَاسِقَ فَالقَهُ بِوَجهٍ مُكفَهِرٍ (٨)» (٩).


(١) الهداية (٣/ ٤٠).
(٢) الهداية (٣/ ٤٠).
(٣) الهداية (٣/ ١١٧).
(٤) المبسوط (١٦/ ١٤٣).
(٥) ينظر: المحيط البرهاني (٩/ ١٦٧)، الاختيار لتعليل المختار (٢/ ١٤٩).
(٦) تمام المسألة في الهداية (٣/ ١٢٣): «وتقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية، وقال الشافعي/: لا تقبل لأنَّه أغلظ وجوه الفسق. ولنا أنَّه فسق من حيث الاعتقاد، وما أوقعه فيه إلا تديُّنه به، وصار كمن يشرب المثلث أو يأكل متروك التَّسمية عامداً مستبيحاً لذلك، بخلاف الفسق من حيث التعاطي».
(٧) سبق تخريجه، ص (٨٢).
(٨) مكفهر: أي: شديد العبوسة. البناية شرح الهداية (٩/ ١١٢).
(٩) لم أقف على هذا الحديث منسوباً إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، والذي ورد من كلام ابن مسعود -رضي الله عنه-: «إذا لقيت الفاجر فالقه بوجه مكفهر»، أخرجه: الطبراني في الكبير (٩/ ١١٢)، رقم (٨٥٨٠).