للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَذَلِكَ يُؤْذِنُ، أي: معنى الاستبداد يعلم بأنّ الزّوج مستديم الملك لا منشئ؛ لأنّ إنشاء النكاح إنّما يتعلّق بالزّوج والمرأة لا بالزّوج منفردًا؛ إذْ الدَّلِيلُ يُنَافِيهِ، أي: دليل الاستبداد ينافي الإنشاء؛ لأنّه لو كان إنشاء لما استبد به الزّوج، كما لا يستبد في ابتداء النكاح أو الدّلايل التي ذكرناها في موضعها ينافي الإنشاء، وهي قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} (١) فلو كان إنشاء لما كان الزّوج أحق.

وكذلك اسم البعل، وكذلك ذكر الإمساك، في قوله: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} (٢)، وهو عبارة عن استدامة الملك لا عن إنشائه، والقاطع أخّر عمله، هذا جواب عن قول الخصم، وهو قوله: الزَّوْجِيَّةَ زَائِلَةٌ لِوُجُودِ الْقَاطِعِ وَهُوَ الطَّلَاقُ.

قلنا: نعم وجد القاطع ولكن أخّر عمل القاطع إلى انقضاء العدّة إجماعاً، فإنّه عند الشّافعي تثبت الرجعة بالقول (٣)، بدون رضاء المرأة، كما هو قولنا علم أنّ عمل القاطع مؤخّر بالإجماع (٤)، أو مؤخر عمل القاطع نظرًا للزّوج -على ما تقدم- وهو قوله: لِأَنَّ حَقَّ الرَّجْعَةِ ثَبَتَ نَظَرًا لِلزَّوْجِ.

فصل فيما تحلّ به المطلّقة

لما ذكر تدارك الطّلاق الرجعي أنّه بالرّجعة احتاج إلى بيان تدارك غيره من المطلّقات، فبيّنه في هذا الفصل؛ لأنّ حلّ المحلية باق والمعنى من حلّ المحلية كونها أنثى من بني آدم ليست من المحرّمات وهو موجود هنا ومنع الغير جواب سؤال مقدّر بأن يقال أنّ الله تعالى لم يجوّز نكاح المعتدة مطلقاً لقوله تعالى: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} (٥)، فأجاب عنه بقوله: إنّما كان ذلك لاشتباه النسب] وذلك إنما يكون في معتدة الغير، وأما ههنا فهذا المعتدة مُعْتَدَّتِهِ، فلم يلزم فيه اشتباه النسب (٦) فيجوز.

ثم اعلم أنّ التّعليل باشتباه النّسب هو بيان الحكمة فيه، لَا بَيَانُ الْعِلَّةِ لِوُجُودِ التَّخَلُّفِفيه، فإنّه لو طلّق الصّغيرة أو الآيسة تجب العدّة، ومنع الغير عن تزوجها في العدّة، وإن لم يكن فيه اشتباه النسب، وكذلك لا يجوز تزويج المعتدّة من الصبي، كما لا يجوز من البالغ، ولا يلزم اشتباه النّسب في حق الصبي؛ لأنّه لا يثبت النسب منه، لأنّ الصبي لا ماء له.


(١) [البقرة: ٢٢٨].
(٢) [البقرة: ٢٣١].
(٣) ينظر: الحاوي الكبير (١٠/ ٣١٠).
(٤) ينظر: البناية شرح الهداية (٥/ ٤٥٦).
(٥) [البقرة: ٢٣٥].
(٦) زيادة في (ب).