للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

* * *

بابُ الوصي وما يملكه

لما فرغ من بيان أحكام الموصى له (١) شرع في بيان أحكام الموصى إليه وهو الوصي لما أن كتاب الوصايا يشملهما؛ لكن قدم أحكام الموصى له (٢) لكثرتها وكثرة وقوعها، فكانت الحاجة إلى معرفتها أَمَسُّ.

ومن أوصى إلى رجل- أي: ومن جعل غيره وصيًّا؛ يقال أوصى إليه إذا جعله وصيًّا؛ والاسم: الوصاية بالكسر والفتح كذا في «الصحاح» (٣).

فقبل الوصيفي وجه المُوصِي أي: بعلم الموصي.

وردَّها في غير وجهه أي: بغير علم الموصي، هكذا فسره في «الذخيرة» (٤).

لأن الميت مضى لسبيله؛ أي: مات.

معتمدًا عليه؛ أي: على الوصي بقبول وصايته.

فإن قلت ما الفرق بين هذا وهو ما إذا جعله وصيًّا بشرط قبول الوصاية في حال حياة الموصي في وجهه، وبين (٥) ما إذا أوصى لرجل بثلث ماله أو بمال معين حيث لا يعتبر قبول الموصَى له الوصية في حال حياة الموصي حتى لو قبله في حال حياة الموصي ثم رده بعد وفاته صح الرد؛ بخلاف الوصي فإنه لو قبل الوصاية في حال حياة الموصي ثم رده بعد وفاته لا يصح الرد مع أن كل واحدة من الوصيتين مضافة إلى ما بعد الموت.

قلتُ: الفرق بينهما هو أن الإيصاء إلى الغير توكيل إلى وقت في المستقبل، وهو ما بعد الموت، وإضافة الوكالات إلى وقت في المستقبل جائزة، فإنه إذا قال لغيره: وكلتك ببيع عبدي غدًا أو رأس الشهر جاز قياسًا واستحسانًا.

وأما الوصية [بالمال] (٦) فتمليك مضاف إلى وقت في المستقبل وهو ما بعد الموت وتمليك المال مضافًا إلى وقت في المستقبل مما يأباه القياس؛ فإنه لو قال: وهبتك عبدي هذا غدًا لم يصح؛ ثم التوكيل المضاف إلى وقت في المستقبل جائز في حال الحياة؛ وصح الإيصاء إلى آخر [للحال] (٧) مضافًا إلى ما بعد الموت، وإذا صح الإيصاء للحال مضافًا إلى ما بعد الموت صح القبول في الحال أيضًا.

فأما تمليك المال مضافًا إلى وقت في المستقبل فباطل، فيعتبر باطلًا للحال؛ وإذا اعتبر باطلًا للحال صار وجوده وعدمه بمنزلة، فلذلك لم يصح القبول للحال؛ ولأن [الوصية] (٨) إليه استخلاف له في الولاية وإثبات ولاية التصرف للغير مع قيام ولاية المتصرف جائز.


(١) في (ج): الوصية؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.
(٢) في (ج): الوصي؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.
(٣) ينظر: «الصحاح» (٦/ ٢٥٢٥).
(٤) ينظر: «العناية» (١٠/ ٤٩٦)، «البناية» (١٣/ ٥٠٠).
(٥) في (ج): وهي؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.
(٦) ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٧) ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٨) ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.