للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما إذا أجاز الولي جاز؛ لأن الولي موجود، فجاز أن يتوقف تصرف الصبي إلى رأيه، وبإذنه ارتفع الحاجز شرعًا، كما لو تصرف ثم تبيَّن أنه كان بالغًا، بخلاف العبد إذا تزوج ثم عتق؛ لأن عدم الجواز كان لحق الموْلَى لا لنقصان فيه، فإذا زال الحق نفذ التصرف (١).

وأما عدم وجوب فرائض الطاعات مع صحَّة النوافل منه فمَخْرَج على ما ذكرنا من الأصل، (وهو أن الصبي يقرب من المنافع، ويبعد من المضار؛ لما أن الصبا سبب للمرحمة؛ وذلك لأن في توجيه الخطاب إضرارًا به عاجلًا؛ لأنه لو توجَّه عليه الخطاب ربما لا يُؤدِّي فيخرج ويبقى في وَبَاله، بخلاف النوافل من الصلوات والصيام؛ لأنه لا ضرر عليه في ذلك، بل فيه نفع محض؛ لحصول الثواب بفعله وعدم لزومه بشروعه)، إلى هذا أشار في «المبسوط» (٢) و «الأسرار» (٣)

(والصبا سبب الحجر) جواب عن قول الشافعي (٤) - رحمه الله- وهو قوله: (لأن حجره لصباه).

[[حجر الصبي لعدم الهداية]]

وقوله (لعدم الهداية) أي: في أمور التجارة لا لرأيه، فصار هو كالعبد من حيث إن الحجر في كل واحد منهما لمعنى في غيره لا لمعنى في عينه، ففي العبد لحق الموْلَى، وفي الصبي لعدم الهداية، فبالإذن يُعلم ضد كل واحد من معنى الحجر فيهما، فيصح تصرف العبد بعد الإذن بالاتفاق (٥)، وكذلك في الصبي ينبغي أن يكون كذلك؛ لارتفاع ما يوجب الحجر فيهما بالإذن.

(لا لذاته) أي: لا لذات الصبي، بل لنقصان عقله، فلمَّا أذن له الموْلَى استبدل به على أنه كامل العقل، (وقد ثبتت) أي: الهداية (وبقاء ولايته) أي: وبقاء ولاية الموْلَى؛ وهذا جواب عن قوله: (ولأنه مُوَلًّى عليه) إلى آخره، أو هو جواب لسؤال مقدَّر، وهو أن يُقال: لمَّا صار الصبي وليًّا (٦) للتصرف بإذن وليه ينبغي ألاَّ يبقى وليه وليًّا في التصرف في ماله؛ حتى لا يملك التصرف في ماله بعد الإذن؟ وألا يبقى الصبي مُولِيًّا عليه لوليه حتى لا يملك الولي حجره بعد الإذن؟ فأجاب عن الأول بقوله (لاستيفاء المصلحة بطريقين) أي: بطريق مباشرة الولي في التجارة لأجل الصبي، وبطريق مباشرة الصبي بنفسه منها؛ فأجاب عن الثاني بقوله: (واحتمال تَبَدُّل الحال) يعني: يحتمل أن يتبدَّل حال الصبي من الهداية إلى الغباوة، ويَحتمل ألا يتبدلَ من الهداية، فبقَّينا ولاية الولي نظرًا له، وهذه النُكتة بهذا الطريق المذكور في الكتاب (٧) مُستخرجة مما ذكره الإمام المحقق شمس الأئمة السرخسي -رحمه الله- في «المبسوط» (٨)، [فقال فيه] (٩) أي: فيما قلناه (توفير المنفعة عليه حين لزم التصرف بانضمام رأي الولي إلى رأيه؛ لأنه يحصل له منفعة (١٠) التصرف بمباشرته وبمباشرة وليه، وذلك أنفع له من أن يُسَدَّ أحد البابين، إلَّا أنَّ نظره في عاقبة الأمر، ووفور عقله مُتردد قبل بلوغه، فلاعتبار وجوده ظاهرًا يجوز للولي أن يأذن له، ولتوهم القصور فيه يبقى ولاية [الولي عليه، ويتمكن من الحجر عليه بعد ذلك، وهو كالسفيه؛ فإن القاضي بعدما أطلق عنه الحجر إذا أراد أن يحجر عليه جاز ذلك؛ لهذا المعنى).


(١) انظر: الأسرار للدبوسي (١/ ٤٢٨)، تبيين الحقائق (٥/ ٢١٩).
(٢) للسرخسي (٢٥/ ٢٢).
(٣) للدبوسي (١/ ٤٢٨).
(٤) انظر: الحاوي الكبير (٣/ ٣١٣)، روضة الطالبين (٤/ ١٧٧)، تحفة المحتاج (٥/ ١٦٣)، نهاية المحتاج (٤/ ٣٥٧).
(٥) انظر: المبسوط للسرخسي (٢٥/ ١٠)، بدائع الصنائع (٥/ ١٥٠)، العناية شرح الهداية (٩/ ٣١١).
(٦) في (ع) (أهلًا) وما أثبت هو الصحيح. انظر: فتح القدير (٩/ ٣١٣)
(٧) انظر: الهداية (٤/ ٢٩٤)
(٨) للسرخسي (٢٥/ ٢٢)
(٩) سقطت في (ع).
(١٠) سقطت في (أ).