للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما وجه القيد الرابع: فقد ذكرنا قبل هذا بأن الغصب، وإتلاف مال الغير يلحق بالتجارة؛ لِمَا مرَّ أن المغصوب أو المحجور يصير مضمونًا عليه، وذلك الضمان يوجب الملك في المضمون، وكان من قبيل ضمان التجارة، فهذه الواسطة بهذه الفوائد كلها مأخوذة من باب عتق الموْلَى عبده المأذون من مأذون «المبسوط» (١)، ومن الفصل السادس من مأذون «المغني» (٢) [من الباب الثاني من مأذون الإيضاح (٣) (٤).

[وجوه بيع الموْلَى العبدَ المديون]

(وإن باعه الموْلَى وعليه دين محيط برقبته) إلى آخره. اعلم أن مسألة بيع الموْلَى العبد المأذون المديون على وجوه (٥): إما إن باعه بإذن القاضي أو الغرماء أو بغير إذنهم.

وإما إن كان دين العبد حالًّا أو مؤجلًا، وإما إن باعه بمثل القيمة أو بأقل منها، فإن باعه بإذن القاضي عند طلب الغرماء ذلك فلا ضمان على الموْلَى في الوجوه كلها (٦)، وكذلك إذا كان الدين مؤجلًا، وكذلك إذا كان البيع بثمن يفي بديونهم ووصل الثمن إلى الغرماء؛ أما لا ضمان على الموْلَى إذا باعه بإذنهم؛ لأن الضمان لأجلهم، فإذنهم في البيع بمنزلة بيعهم بأنفسهم، ولو باشروا بأنفسهم لا ضمان على الموْلَى، فكذلك إذا باعه بإذنهم؛ ثم القاضي لو باعه بطلب الغرماء لا يبيعه إلا بمحضر من الموْلَى؛ لأن في بيعه قضاء على الموْلَى باستحقاق مالية الرقبة وإزالة ملكه، والقضاء على الغائب لا يجوز (٧)، والعبد ليس بخصم عنه في ذلك؛ لأن للموْلَى حق استخلاص الرقبة بقضاء الدين من موضع آخر، فليس للقاضي أن يُبطل عليه هذا الحق بغير محضر منه.

[[بطلان بيع العبد المديون إذا كان بغير أمر القاضي والغرماء]]

فأما إذا باعه بغير أمر القاضي والغرماء فبيعه باطل (٨)، ثم اختلف المشايخ (٩) في قول محمد- رحمه الله- في الأصل (١٠): أنه باطل، قال بعضهم: معنى قوله (باطل) أي: سيبطل؛ لأن البيع موقوف على إجازة الغرماء، وللغرماء حق إبطاله صيانةً لحقهم؛ وقال بعضهم: معناه فاسد، بدليل أنه قال/ في الأصل (١١): إذا أعتقه المشتري من الموْلَى بعد القبض أو دبَّره صحَّ ذلك ويلزمه قيمته، ثم لو أجازوا البيع، أو قضاهم الموْلَى الدين، أو كان في الثمن وفاء بدينهم وأعطاهم، نفذ البيع لزوال المانع بوصول حق الغرماء إليهم، كالراهن إذا قضى دين المرتهن (١٢) بعد (١٣) البيع، وكذلك إن أجاز المرتهن البيع؛ فإن لم يكن شيء من ذلك، ولكنَّ الغرماء وجدوا المشتري والعبد في يده، ولم يجدوا البائع، لم يكن المشتري خصمًا في نقض البيع، في قول أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله-، خلافًا لأبي يوسف (١٤) - رحمه الله-.


(١) انظر: المبسوط للسرخسي (٢٦/ ١٤).
(٢) انظر: بدائع الصنائع (٧/ ١٩٨)، تبيين الحقائق (٥/ ٢١٦).
(٣) انظر: المبسوط للشيباني (٩/ ١٥٣)، بدائع الصنائع (٧/ ١٩٨).
(٤) سقطت في (أ).
(٥) انظر: بدائع الصنائع (٧/ ٢٠٠)، فتاوى قاض خان (٣/ ٥٨١).
(٦) انظر: فتاوى قاض خان (٣/ ٥٨٦)، مجمع الأنهر (٢/ ٤٥٣)، تبيين الحقائق (٥/ ٢١٧).
(٧) انظر: الفروق للكرابيسي (٢/ ١٦٨)، موسوعة القواعد الفقهية (٨/ ٢٠٤).
(٨) الْبَاطِلُ لغةً: ضِدُّ الْحَقِّ. مختار الصحاح مادة (ب ط ل) (ص: ٣٦)، واصطلاحًا: يُفرق الحنفية بين الفاسد والباطل في أبواب المعاملات، فالفاسد عندهم: ما شُرع بأصله دون وصفه؛ كالربا، والباطل: ما لم يشرع بأصله، ولا وصفه؛ كبيع الملاقيح؛ وهو ما في بطون الأمهات، والباطل والفاسد مترادفان عند جمهور الأصوليين، فالفاسد والباطل عندهم: عبارة عن عدم ترتب الأثر على التصرف؛ فالمنهي عنه فاسد، وباطل، سواء أكان النهي لعينه أم لوصفه. انظر: كشف الأسرار (١/ ٢٥٨)، المستصفى (٢/ ١٧)، شرح مختصر الروضة (١/ ٤٤٥).
(٩) انظر: المبسوط للسرخسي (٢٥/ ١٣٥)، مجمع الأنهر (٢/ ٤٤٩).
(١٠) انظر: المبسوط للشيباني (٩/ ٦٥)، تبيين الحقائق (٥/ ٢١٧).
(١١) انظر: تبيين الحقائق (٥/ ٢١٧)، البحر الرائق (٨/ ١١٩).
(١٢) في (أ) (المرهون) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (٢٥/ ١٣٠).
(١٣) في (ع) (نفذ) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (٢٥/ ١٣٠).
(١٤) انظر: المبسوط للشيباني (٩/ ٥٩)، المبسوط للسرخسي (٢٥/ ١٣١)، بدائع الصنائع (٧/ ٢٠٥).