للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكن أبا حنيفة ترك القياس بما روي أنّ النبي -عليه السلام- تزوج عائشة على صداق خمسمائة درهم زوّجها منه أبو بكر -رضي الله عنه- وزوج فاطمة من علي -رضي الله عنه- على صداق أربعمائة درهم (١) ومعلوم أن ذلك لم يكن صداق مثلها لأنّه إن كان ذلك صداق مثلها مع أنّهما مجمع [الفاضل] (٢) فلا صداق في الدنيا يزيد على هذا المقدار والمعنى فيه أنّ النكاح يشتمل على مصالح وأغراض ومقاصد جمّة والأب وآفر الشّفقة كامل الرّأي إلى آخره.

بخلاف تصرف الأب في المال؛ لأنّه لامقصود هناك سوى المالية فإذا قصر في المالية فليس بإزاء هذا النقصان ما يجبره وبخلاف [فالزوج] (٣) أمته لأن سائر مقاصد النكاح لا يحصل للصّغير والصّغيرة هناك إنما يحصل للأمة ففي حق الصّغير قد انعدم ما يكون جبراً للنقصان وبخلاف العمّ والأخ فإنّه ليس لهما شفقة وافرة فيحمل بقصرها في الكفاءة والمهر على معنى ترك النّظر.

وبخلاف المرأة في نكاح نفسها؛ لأنها سريعة الانخداع ضعيفة الرأي متابعة للشهوة عادة فكان تقصيرها في الكفاءة والصّداق لمتابعة الهوى لا لتحصيل سائر المقاصد على أن سائر المقاصد تحصل لها دون الأولياء وبسبب عدم الكفاءة والنقصان في الصّداق بغير الأولياء وليس بإزاء هذا النقصان في حقهم ما يكون جابراً فيثبت لهم حق الاعتراض كذا في الْمَبْسُوطِ (٤) والله أعلم بالصّواب.

فصل في الوكالة (٥) بالنكاح وغيره


(١) رواه مسلم كتاب النكاح باب الصداق وجواز (٢/ ١٠٤٢) برقم (١٤٢٦).
(٢) وفي (ب): (الفضائل).
(٣) وفي (ب): (مالو زوّج).
(٤) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٤/ ٢٢٥).
(٥) الْوِكَالَةُ مَصْدَرُ الْوَكِيلِ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَبِالْفَتْحِ لُغَةٌ الْوَكِيلُ مِنْ وَكَلَ إلَيْهِ الْأَمْرَ بِالتَّخْفِيفِ أَيْ تَرَكَ وَسَلَّمَ تَقُولُ فِي الدُّعَاءِ: "لَا تَكِلْنِي إلَى نَفْسِي" وَهُوَ مِنْ حَدِّ ضَرَبَ وَوَكَّلَهُ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ جَعَلَهُ وَكِيلًا.
وَالتَّوَكُّلُ قَبُولُ الْوَكَالَةِ وَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالِاتِّكَالُ عَلَيْهِ هُوَ الِاعْتِمَادُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ فِي مُجْمَلِ اللُّغَةِ التَّوَكُّلُ إظْهَارُ الْعَجْزِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى غَيْرِك وَالْوَكَلُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْكَافِ الرَّجُلُ الضَّعِيفُ الْعَاجِزُ وَوَاكَلَ فُلَانًا إذَا ضَيَّعَ أَمْرَهُ مُتَّكِلًا عَلَى غَيْرِهِ وَالْوَكَالُ فِي الدَّابَّةِ أَنْ تَسِيرَ بِسَيْرٍ أَبْطَأَ. طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (١/ ١٧٣ - ١٣٨)، وانظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (٥/ ١٨٤٥).