للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[طلاق المكرة والهازل]]

وروي عن عمر -رضي الله عنه- أنّه قال: «أربع مبهمات مقفلات، ليس فيهنّ رد يد النكاح والطّلاق والعتّاق والصدقة» (١)، إلا أنّه غير راض بحكمه وذلك غير محلّ به كالهازل (٢).

فإن قلت: الفرق ثابت بين المكره (٣) (٤) والهازل (٥)؛ لأنّ المكره له اختيار فاسد وللهازل اختيار كامل، والفاسد في حكم العدم، فلا يلزم من الوقوع في الهازل الوقوع في المكره (٦)، قلت: للهازل اختيار كامل في السّبب، أمّا في حق الحكم - وهو المقصود من السّبب - فلا اختيار له أصلاً، فكان اختيار الهازل - أيضاً - غير كامل بالنّظر إلى هذا، فكانا متساويين، فيجوز اعتبار أحدهما بالإقصار كزواله بالبنج.

وفي مسألة البنج (٧) تفصيل: فإنّه ذكر عبد العزيز الترمذي (٨) -رحمه الله- فقال: سألت أبا حنيفة وسفيان الثّوري (٩) - رحمهما الله -عز وجل-: شرب البنج فارتفع إلى رأسه وطلق امرأته، قال: إن كان حين شرب يعلم ما هو، تطلق امرأته، وإن كان حين شرب لم يعلمما هو، لا تطلق، ولو شرب من الأشربة التي تتّخذ من الحبوب أو من العسل أو من الشّهد (١٠) وسكر (١١)، وطلق امرأته لا يقع طلاقه عند أبي حنيفة (١٢) وأبي يوسف (١٣)، خلافاً لمحمّد (١٤) -رحمه الله- على ما يجيء في الأشربة إن شاء الله تعالى كذا في «المحيط» (١٥) (١٦).


(١) أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (كتاب النكاح/ بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ اللَّعِبِ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ/ ١٠٢٥٣)، بلفظ: "ثَلَاث لَا لعب فِيهِنَّ النِّكَاح وَالطَّلَاق وَالْعتاق"، وهو مَوْقُوف، وَزَاد فِي رِوَايَة: وَالنّذر. ينظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية (٢/ ٩١).
(٢) الهُزلُ: نقيضُ الجِدّ. فلان يَهْزِل في كلامه، إذا لم يكن جادّاً. انظر: العين (٤/ ١٤).
(٣) اخْتلفُوا فِي طَلَاق الْمُكْره فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَقع. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: إِذا نطق بهَا دافعا عَن نَفسه لَا يَقع. ينظر: بداية المجتهد (٣/ ١٣٧)، ومغني المحتاج (٤/ ٤٧٠)، والمغني (١٠/ ٣٥١)، تبيين الحقائق (٦/ ٢٤٤).
(٤) الْمُكْره مغلق عَلَيْهِ أمره وتصرُّفه. انظر: الفائق في غريب الحديث (٣/ ٧٢).
(٥) قال الجمهور من الحنيفية والمالكية والشافعية ورواية عن أحمد بوقوع طلاق الهازل، وروي عن أحمد عدم وقوع طلاق الهازل. يُنْظَر: رد المحتار (٤/ ٤٥٧)، حاشية الخراشي (٤/ ٤٥٧)، والمجموع (١٨/ ٣١٠)، والمغني (١٠/ ٣٧٣).
(٦) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (٣/ ٤٨٩).
(٧) البَنْجُ (نَبْتٌ مُسْبِتٌ) مُخَدِّر، وَهُوَ (غَيْرُ حَشِيشِ الحَرَافِيشِ، مُخَبِّطٌ للعَقْلِ، مُجَنِّنٌ، مُسَكِّنٌ لأَوْجَاعِ الأَوْرَامِ والبُثُورِ وأَوْجاعِ) انظر: تاج العروس (٥/ ٤٢٩).
(٨) عبد الْعَزِيز بن خَالِد بن زياد التِّرْمِذِيّ من أَصْحَاب الإِمَام أَخذ عَنهُ الْفِقْه من أَقْرَان نوح بن أبي مَرْيَم رَوَى عَنْ: أبيه خالد بن زياد، وعن حَجّاج بن أرطأة، وَعَنْهُ: أحمد بن يعقوب، وداود بن حماد، قال أبو حاتم: شيخ. توفي عام مئة وواحد وتسعون للهجرة. انظر: تاريخ الإسلام (٤/ ٩١٤)، والجواهر المضية في طبقات الحنفية (١/ ٣١٨).
(٩) سفيان بن سعيد الثوري هُوَ شَيْخُ الإِسْلَامِ، إِمَامُ الحُفَّاظِ، سَيِّدُ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ فِي زَمَانِهِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الثَّوْرِيُّ، الكُوْفِيُّ، المُجْتَهِدُ، مُصنِّفُ كِتَابِ "الجَامِعِ" من شيوخه إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عُقْبَةَ، وروى عنه الأَعْمَشُ، وَأَبَانُ بنُ تَغْلِبَ، وَابْنُ عَجْلَانَ، مات إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (٦/ ٦٢٠، ٦٥١)، وطبقات الفقهاء (ص: ٨٥).
(١٠) العَسَل مَا دَامَ لم يُعصَر من شَمعه. انظر: تهذيب اللغة (٦/ ٤٨).
(١١) من سكر بمباح لا يقع طلاقه بالاتفاق. انظر: إعلام الموقعين (٤/ ٣٩).
(١٢) يُنْظَر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٢٠٧)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ١٩٦).
(١٣) المرجع السابق.
(١٤) المرجع السابق.
(١٥) الميحط البرهاني في الفقه النعماني المؤلف: محمود بن أحمد برهان الدين مازه كتاب في الفقه الحنفي ثم اختصره. وسماه: (الذخيرة)، الناشر: دار إحياء التراث العربي. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (٢/ ١٦١٩).
(١٦) انظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٢٠٧).