للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما الكلام في الهدية فنقول: العبد المأذون يملك الإهداء بالمأكولات، ولا يملك الإهداء بما سواها من الدراهم والدنانير (١)؛ وهذا لأن قضية القياس ألا يملك الإهداء بشيء؛ لأنه تبرع واصطناع بالمعروف، ولكن تركنا القياس بالعرف، وعادة التجار (٢) وعرف (٣) التجار بالإهداء بالمأكولات، فيرد ما سواه إلى القياس (٤).

[[عدم جواز اتخاذ الدعوة العظيمة]]

قال مشايخنا (٥): وإنما يملك الإهداء بالمأكولات بمقدار ما يتخذ الدعوة من المأكولات فيعود الكلام إلى الدعوة، وقد ذكرنا: أن اتخاذ الدعوة اليسيرة يجوز، و [اتخاذ] (٦) الدعوة العظيمة لا يجوز؛ وفي الأصل (٧): لو وهب هبة وكانت الهبة شيئًا سوى الطعام، وقد بلغت قيمته درهما فصاعدًا، فإنه لا يجوز؛ ثم قال: وإن أجاز الموْلَى هِبته إن لم يكن عليه دين تُعْمَل إجازته، وإن كان عليه دين، ولا يملك التصدق بالفلس وبالرَغيف وبالفضة بما دون الدرهم؛ ولأن التصدق بها من صنيع التجار، والمرأة في بيت زوجها، والأَمَة في بيت مولاها تُطْعم وتتصدق بالمطعوم على الرسم والعادة (٨) وإن لم (٩) يأذن لهما الزوج والموْلَى بذلك صريحًا اعتبارًا للعرف والعادة (١٠).

فإن قيل: أليس روى أبو أمامة (١١) -رضي الله عنه- قال: عام حجة الوداع في خطبته: «ولا تَخرج المرأة من بيت زوجها بغير إذنه»، قيل له: والطعام فقال -عليه السلام-: «الطعام أفضل أموالكم» (١٢)، قلنا: أراد به الطعام المدَّخر كالحنطة (١٣) ودقيقها (١٤)، فأما غير المدَّخر فإنه يتصدَّق به على الرسم والعادة، ويكون ذلك بإذن الزوج عرفًا وإن لم يكن بإذنه صريحًا، وذكر في «المغني» (١٥): والأب والوصي لا يملكان في مال الصغير ما يملك العبد المأذون من اتخاذ الضيافة اليسيرة والصدقة.


(١) وبه قال الشافعي وأحمد. وقال مالك: (وللمأذون أن يهب للثواب كالبيع). انظر: التهذيب (٤/ ٣٦٤)، المجموع (١٤/ ٣٩٨)، المغني (٥/ ٦٢).
(٢) قال العيني: (له أن يتخذ الضيافة اليسيرة دون العظيمة؛ لأن اليسيرة من وضع التجار دون العظيمة) البناية شرح الهداية (١١/ ١٤٤).
(٣) سقطت في (ع).
(٤) انظر: فتاوى قاض خان (٣/ ٥٨٧)، تبيين الحقائق (٥/ ٢٠٨).
(٥) انظر: فتاوى قاض خان (٣/ ٥٨٧)، المحيط البرهاني (٦/ ١٩).
(٦) سقطت في (ع).
(٧) انظر: الأصل للشيباني (٩/ ١٦٩).
(٨) قال العيني: (كالخميرة والبصل والملح.) البناية شرح الهداية (١١/ ١٤٥).
(٩) سقطت في (ع).
(١٠) انظر: الاختيار (٢/ ١٠٢)، مجمع الأنهر (٢/ ٤٤٩).
(١١) هو: صدي بن عجلان بن وهب الباهلي، أبو أمامة: صحابي، كان مع علي في (صفين) وسكن الشام، فتوفي في أرض حمص، وهو آخر من مات من الصحابة بالشام، له في الصحيحين ٢٥٠ حديثا، توفي ٨١ هـ. انظر: التاريخ الكبير (٤/ ٣٢٦)، الجرح والتعديل (٤/ ٤٥٤)، الاستيعاب (٢/ ٧٣٦)، أسد الغابة (١/ ١٦٧).
(١٢) لم أجده بهذا اللفظ ووجدته بلفظ مشابه رواه الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والترمذي، أخرجه الترمذي في سننه: في كتاب الزكاة، باب في نفقة المرأة من بيت زوجها، (٢/ ٥٠) رقم (٦٧٠) من حديث أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في خطبته عام حجة الوداع يقول: (لا تنفق امرأة شيئًا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها، قيل: يا رسول الله، ولا الطعام، قال: ذاك أفضل أموالنا)، وفي الوصايا، باب ما جاء لا وصية لوارث، (٣/ ٥٠٤) رقم (٢١٢٠)، وأبو داود (٣/ ٢٩٦) رقم (٣٥٦٥) في البيوع، باب في تضمين العارية، وابن ماجه في سننه: كتاب التجارات، باب ما للمرأة من مال زوجها (٢/ ٧٧٠) برقم (٢٢٩٥)، وأحمد في مسنده (٣٦/ ٦٢٨) برقم (٢٢٢٩٤) وقال الترمذي: (حديث أبي أمامة حديث حسن).
انظر: سنن الترمذي (٣/ ٤٩).
(١٣) في (ع) (والدقيق) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المحيط البرهاني (٥/ ٤٠٤).
(١٤) الدَّقِيقُ: الطَّحِينُ. الصحاح مادة (د ق ق) (٤/ ١٤٧٦).
(١٥) انظر: البناية شرح الهداية (١١/ ١٤٤)، مجمع الأنهر (٢/ ٤٤٩).