للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وَالسَّفِينَةُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْتِ)؛ يريد بهذا أنّ السفينة ما سارت لا يبطل خيارها، بخلاف الدّابة إذا سارت حيث يبطل الخيار، لما أنّ السّفينة لا يجريها راكبها بل هي تجري به، قال الله تعالى: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ} (١)، وسير الدّابة مضاف إلى راكبها فكان ذلك كمشيها في حكم تبدل المجلس إلا أن تكون الدّابة واقعة أو تكون سايرة اختارت نفسها متّصلاً بتخيير الزّوج من غير سكوت بين الكلامينفحينئذ يصح اختيارها؛ لأنّ دليل الاعتراض إنّما يتحقق بسكوتها بعد تخيير الزّوج ولم يوجد وكذلك إن كان معها على تلك الدّابة أو كان في محل واحد وهكذا الجواب في البيع إن اتصل قبول المشتري بإيجاب البايع من غير سكتة بينهما في هذا الفصل ينعقد البيع وإلا فلا كذا في «المبسوط» (٢) والله أعلم بالصّواب.

[فصل في المشيئة]

وقد تقدم ذكر وجه المناسبة، وقد أراد الزّوج ذلك وقعن عليها، وقد أشبعنا الفرق بين هذا وبين قول الزّوج طلقت، ونوى الثّلاث حيث لا يصحّ نية الثّلاث هناك، وصحت ههنا في أوائل باب إيقاع الطّلاق، فقالت: (أَبَنْت نَفْسِي طَلَقْت)، أي: طلقت طلاقاً رجعياً، وكذا لو قالت: أنا باين أوحرام أوبرية - كذا ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله (٣) - فيلقوا الوصف الزائدوهو الإبانة، ويثبت الأصل وهو نفس الطّلاق.

فإن قلت: يشكل على هذا اذا قال الزّوج لها طلقي نفسك نصف تطليقه، فطلقت نفسها تطليقه لم تقع، وكذا لو أمرها بثلاث فطلقت نفسها ألفاً لا يقع، والمسألتان في «الجامع الصّغير» (٤) للإمام التمرتاشي، مع أنها أتت بالأصل والزايد، فيجب على ما ذكر في الكتاب أن يثبت الأصل ويلغوا الزايد.

قلت: ما ذكر في الكتابمن الزائد وهو وصف وهو الإبانة، فيصحّ أن يلغي الوصف لانحطاط درجته، فكان في الإتيان بالأصل موافقة للزّوج فتطلق، أما ههنا ففي المسألة الأولى النّصف الثّاني أصل كالنّصف الآخر، فلم يثبت التبعية، فكانت هي بالإتيان بالواحدة مغيرة للفظ لا موافقة فلا يصحّ جواباً فيلغوا، ولأنّ الزّوج ملكها نصف الطّلاق الذي يقع سارياً فإذا أوقعت الواحدة لا تكون آتية بما فوّض إليها فلا تقع.


(١) [هود: ٤٢].
(٢) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٢١٣).
(٣) انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ٢٢٥).
(٤) يُنْظَر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٢٤١)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ٢٢٥).