للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[إتلاف عبد الذمي المرتد]]

(وبخلاف العبد المُرتد) معطوف على (بخلاف الربا) وكلاهما متعلقان بقوله: (لأن الذمي غير ممنوع عن تمليك الخمر) يعني: أن الذمي متروك بما هو عليه من اعتقاده من حِلِّ الخمر، على ما ذُكر قبل هذا، ونحن أُمرنا بأن نتركهم وما يدينون؛ فلذلك إذا أتلف المسلمُ خمرَ الذمي يَضمن فَوَرد على هذا الأصل إشكالٌ، وهو استحلالهم الربا اعتقادًا فأجاب عنه، ثم ورد عليه العبد المرتد للذمي؛ فإنّ المسلم إذا أتلفه لا يضمن للذمي، وإن كان الذمي يَعتقد أن العبد المرتد مال متقوم، وأنه مُحقٌ في اعتقاده عند نفسه، ومع ذلك لم يصر اعتقاده حُجة في إيجاب الضمان على المتلِف، وهو المقيس عليه للشافعي (١) في مسألة الخمر فأجاب عنه بقوله: (لِأَنَّا مَا ضَمِنَّا لَهُمْ تَرْكَ التَّعَرُّضِ لَهُ) أي: للعبد المرتد للذمي (لما فيه) أي: لما في ترك التعرض (من الِاسْتِخْفَاف في الدين) ولكن يُشكل على هذا التعليل مسألة من أتلف صَليبًا (٢) على نصراني ضمِن قيمته صليبًا، وفي ترك التعرض في حقيقة عبادة الصليب على اعتقادهم استخفاف للدين، ومع ذلك قلنا بوجوب (٣) قيمة الصليب؛ عملًا باعتقادهم لا بنفس النُّقرة (٤) أو الصُّفر أو غير ذلك فأجاب عنه في «الإيضاح» (٥) فقال: لأن النصراني مُقِرّ على ذلك.

[[الخلاف في ضمان إتلاف الشاة المذبوحة بترك التسمية عليها عمدا]]

وكذلك قوله: (وبخلاف متروك التسمية عامدًا) يتعلق بقوله: (ونحن أُمرنا بأن نتركهم وما يدينون) يعني: لما أُمرنا بأن نترك أهل الذمة على ما اعتقدوه مع أن اعتقادهم في ذلك باطل من كل وجه حتى وَجب الضمان على مُتلِف خمرهم عملًا باعتقادهم في التقوم، كذلك وجب علينا أن نترك أهل الاجتهاد على ما اعتقدوا من حقيَّة اجتهادهم مع احتمال ذلك بالطريق الأولى، فحينئذ يجب علينا أن نقول: بوجوب ضمان من أتلف الشاة المذبوحة بترك التسمية عامدًا؛ لأن اعتقاد الشافعي (٦) - رحمه الله -وأصحابه أنه مال متقوم فأجاب عنه بقوله (لأن ولاية المُحاجَّة ثابتة (٧) معهم فلمَّا كانت المحاجة ثابتة، قد ثبت لنا بالنص القطعي أن متروك التسمية عامدًا حرام، فلذلك لم نعتبر اعتقادهم في إيجاب الضمان (٨) وقوله: (وبخلاف متروك التسمية) أي: (عمدًا إذا كان لمن يبيحه)، وهو الشافعي (٩) ومن تابعه.


(١) قال الشافعي: (فإذا أهراق واحد منهم لصاحبه خمرًا أو قتل له خنزيرًا أو حرق له ميتة أو خنزيرًا أو جلد ميتة لم يُدبغ لم يضمن له في شيء من ذلك شيئًا؛ لأن هذا حرام ولا يجوز أن يكون للحرام ثمن.) الأم للشافعي (٤/ ٢٢٤)، و انظر: المهذب (٢/ ٢٠٨)، تحفة المحتاج (٦/ ٢٧)، نهاية المحتاج (٥/ ١٦٧).
(٢) الصَّلِيبُ: ما يتخذه النصارى قِبْلَة، والجَمْع صُلْبان وصُلُب. لسان العرب (١/ ٥٢٩).
(٣) في (أ): زيادة (من)
(٤) النُّقْرَةُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ: القطعة المذابة، والنُّقْرَةُ: السَّبِيكَةُ، والجمع نِقار. الصحاح (٢/ ٨٣٥)، لسان العرب (٥/ ٢٢٩).
(٥) انظر: العناية شرح الهداية (٩/ ٣٦١)، البناية شرح الهداية (١١/ ٢٥٦)، درر الحكام (٢/ ٢٦٨)
(٦) انظر: المجموع (٨/ ٤١٠)، تحفة المحتاج (٩/ ٣٢٥).
(٧) في: (أ) و (ع) (باقية) وما أثبته هو الصحيح. انظر: الهداية (٤/ ٣٠٥)
(٨) انظر: العناية شرح الهداية (٩/ ٣٦١)، حاشية ابن عابدين (٦/ ٢١١)
(٩) قال النووي (مذهبنا: أنها سنة في جميع ذلك فإن تركها سهوًا أو عمدًا حلت الذبيحة ولا إثم عليه). المجموع (٨/ ٤١٠)؛ وقال: (لكن تركها عمدا، مكروه على الصحيح). روضة الطالبين (٣/ ٢٠٥)؛ وانظر: تحفة المحتاج (٩/ ٣٢٥)، نهاية المحتاج (٨/ ١١٩).