للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[الفسخ قبل الرؤية]]

فإن قيل: لو لم يكن له خيار قبل الرؤية وجب أن لا يكون له حق الفسخ قبل الرؤية؛ لما أن جواز الفسخ من نتاج (١) ثبوت الخيار له.

قلنا: له من وجهين:

أحدهما: أنه لو لزم العقد بالرضا قبل الرؤية يلزم امتناع الخيار عند الرؤية، والخيار ثابت عند الرؤية بالنص، فما أدى إلى إبطاله كان باطلاً.

والثاني: أن صحة الفسخ تعتمد عدم اللزوم، والعقد هنا قبل الرؤية لا يوصف (٢) باللزوم لخلل ممكن في الرضا؛ لأن الرضا لم يوحد هنا؛ لأن الرضا عبارة عن الاستحسان، واستحسان الشيء مع الجهل بأوصافه لا يتحقق، فلا يلزم العقد فكان بسبيل من الفسخ، كذا في الفوائد الظهيرية (٣)، فعلى هذا التقدير الذي ذكرنا في السؤال والجواب كان المذكور في الكتاب بقوله: (وحق الفسخ بحكم أنه عقد لازم لا مقتضى الحديث)

جواب سؤال مقدر يرد على قوله:

(إن الخيار معلق بالرؤية، فلا يثبت قبله) بأن (٤) يقال: لما لم يثبت الخيار قبل الرؤية، كان ينبغي أن لا يتمكن من الفسخ فقال في جوابه: وتمكنه من الفسخ باعتبار أنه اشترى شيئاً قبل الرؤية، وهو عقد غير لازم، فيتمكن من فسخه لوهاء في العقد، لا للبناء على الخيار الذي اقتضاه الحديث؛ لأن ثبوت الخيار له عند الرؤية بمقتضى الحديث، فكان الخيار عدماً قبل الرؤية، فكيف يكون الفسخ من حكم الخيار، والخيار معدوم، فلا يعتبر قوله: رضيت قبل الرؤية، وفيه إشارة إلى أن يعتبر قوله: رضيت بعد الرؤية.

وذكر في الذخيرة (٥) "والرضا به على ضربين: رضاً بالصريح، ورضاً بالدلالة، فالرضا (٦) بالصريح أن يقول بعد الرؤية: رضيت أو يقول: أجزت، والرضا بالدلالة أن يراه ثم يشتريه أو يراه بعد الشراء فيقبضه أو يتصرف فيه بعد الرؤية تصرف الملاك".

ومن باع ما لم يره فلا خيار له،

[[الخيار في بيع ما لم ير]]

وذكر في المبسوط: "إذا لم يرد البائع المبيع قط بأن ورث شيئاً فباعه قبل الرؤية، فالبيع جائز عندنا، وكان أبو حنيفة -رضي الله عنه- أولاً يقول: له الخيار، ثم رجع وقال: لا خيار له. وقال الشافعي - رحمه الله -: لا يجوز بيعه قولاً واحداً، والدليل على جوازه ما روي أن عثمان ابن عفان -رضي الله عنه- إلى آخره على ما هو المذكور في الكتاب (٧) فقد اتفقوا على جواز الشراء ثم حكم جبير (٨)


(١) "إسقاط قبل الرؤية" زيادة في (ج).
(٢) "لأبي يوسف" في (ج).
(٣) ينظر: المحيط البرهاني (٦/ ٥٣٣).
(٤) "ولا" في (ب).
(٥) المحيط البرهاني (٦/ ٥٣٤).
(٦) "فالرضا" في (ب) وفي (أ) " فالفرض" والصحيح ما أثبته من (ب).
(٧) قال في الهداية: "وروي أن عثمان بن عفان باع أرضاً له بالبصرة من طلحة بن عبيد الله، فقيل لطلحة: إنك قد غبنت، فقال: لي الخيار؛ لأني اشتريت ما لم أره. وقيل لعثمان: إنك قد غبنت، فقال: لي الخيار؛ لأني بعت ما لم أره. فحكم بينهما جبير بن مطعم. فقضى بالخيار لطلحة، وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم". الهداية في شرح بداية المبتدي (٣/ ٩٥٨).
(٨) جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ، أَسْلَمَ مَا بَيْنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَالْفَتْحِ، أُمُّهُ أُمُّ جَمِيلٍ. وَقِيلَ: أُمُّ حَبِيبٍ بِنْتُ شُعْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَسَلٍ، وَأُمُّهَا أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ، وَقِيلَ: أَبُو عَدِيٍّ، تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ. وَقِيلَ: ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ، فِي أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ، وَقِيلَ: تِسْعٌ وَأَرْبَعُونَ، وَهُوَ وَهْمٌ، وَكَانَ أَنْسَبَ قُرَيْشٍ لِقُرَيْشٍ وَلِلْعَرَبِ قَالَ مصعب الزبيري: كان جبير بن مطعم من حلماء قريش وساداتهم، وكان يؤخذ عنه النسب. معرفة الصحابة لأبي نعيم (٢/ ٥١٨)، مشاهير علماء الأمصار (ص: ٣٢)، الاستيعاب في معرفة الأصحاب (١/ ٢٣٢).