للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقيل أيضاً: وكَّله بالبيع فتوكل به؛ أي: قبل الوكالة، واتكلت على فلان في أمري إذا اعتمدته وأصله اوتكلت، قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، ثم أبدل منها التاء فأدغمت في تاء الافتعال ثم بُنيت على هذا الإدغام أسماءٌ من المثال إن لم يكن فيها تلك العلة توهماً أنَّ التاء أصلية كالتكلة، والتكلان، والتهمة، والتجاه، والتراث.

وأما الوكيل فهو القائم بما فُوِّض إليه، والجمع الوكلاء كأنَّه فعيل بمعنى مفعول؛ لأنَّه موكول إليه الأمر؛ أي: مفوض إليه كذا. في الصحاح (١)، والمُغرِب (٢).

وأما شرعًا: فإن التَّوكيل عبارةٌ عن إقامة الإنسان غيره مقام نفسه في تصرف معلوم (٣)، حتى إنَّ التَّصرف إذا لم يكن معلومًا يثبت به أدنى تصرفات الوكيل وهو الحفظ.

وذكر في المبسوط: «وقد قال علماؤنا فيمن قال لآخر: وكَّلتك بما لي أنه يملك بهذا اللفظ الحفظ فقط» (٤).

[أدلة مشروعية الوكالة]

وأما دليل جوازها فثابت بالكتاب، والسنة، والإجماع، والمعقول؛ أمَّا الكتاب فقوله تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} (٥)، وهذا كان توكيلًا ولم يلحقه النكير (٦).

وأما السنة فما رُوِي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -أنه وكَّل حكيم (٧) بن ِحِزام (٨) بشراء الأضحية، وبه وكل عروة (٩) البارقي (١٠).


(١) الصحاح للجوهري، مادة: «وكل» (٥/ ١٨٤٥).
(٢) المغرب (١/ ٤٩٤).
(٣) ينظر: العناية شرح الهداية (٧/ ٤٩٩)، البناية شرح الهداية (٩/ ٢١٦).
(٤) المبسوط (١٩/ ٢).
(٥) سورة الكهف: ١٩.
(٦) ينظر: العناية شرح الهداية (٧/ ٤٩٩)، البناية شرح الهداية (٩/ ٢١٦).
(٧) حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى، أبو خالد، صحابيّ، قرشي، ابن أخي خديجة أم المؤمنين مولده بمكة، شهد حرب الفجار، وكان صديقاً للنّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة وبعدها، عمر طويلاً، قيل ١٢٠ سنة. وكان من سادات قريش في الجاهلية والإسلام، عالماً بالنسب، أسلم يوم الفتح، توفي سنة ٥٤ هـ. ينظر: الاستيعاب (١/ ٣٦٢)، سير أعلام النبلاء (٧/ ١٧٠)، الإصابة (٢/ ٩٧).
(٨) الحديث عن حكيم بن حزام: «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث معه بدينار يشتري له أضحية، فاشتراها بدينار، وباعها بدينارين، فرجع فاشترى له أضحية بدينار، وجاء بدينار، إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فتصدق به النبي -صلى الله عليه وسلم- ودعا له أن يبارك له في تجارته».
أخرجه: أبو داود في سننه (٣/ ٢٦٥)، كتاب البيوع، باب في المضارب يخالف، رقم (٣٣٨٨)، والترمذي في سننه (٣/ ٥٥٨)، كتاب البيوع، رقم (١٢٥٧)، وقال: « … لا نعرفه إلا من هذا الوجه و حبيب بن أبي ثابت لم يسمع عندي من حكيم بن حزام»، وضعفه الشيخ الألباني في ضعيف سنن أبي داود، رقم (٢١٥).
(٩) عروة بن الجعد، ويقال: ابن أبى الجعد البارقي، استعمله عمر على قضاء الكوفة، وكان فيمن حضر فتوح الشام ونزلها، ثم سيّره عثمان إلى الكوفة، وحديثه عند أهلها، روى عنه قيس بن أبى حازم، والشعبي، والسبيعي، وآخرون، توفي سنة ٧٣ هـ.
ينظر: تهذيب الأسماء واللغات (١/ ٣٣١)، الوافي بالوفيات (١٩/ ٣٦٠)، الإصابة (٤/ ٤٠٤).
(١٠) الحديث عن عورة البارقي، أنه: «أعطاه النبي -صلى الله عليه وسلم- ديناراً يشتري به أضحية، أو شاة فاشترى شاتين فباع إحداهما بدينار فأتاه بشاة ودينار، فدعا له بالبركة في بيعه كان لو اشترى تراباً ربح فيه».
أخرجه: أبو داود في سننه (٣/ ٢٥٦)، كتاب البيوع، باب في المضارب يخالف، رقم (٣٣٨٤)، والترمذي في سننه (٣/ ٥٥١)، كتاب البيوع، رقم (١٢٥٨)، وابن ماجه في سننه (٢/ ٨٠٣)، كتاب الصدقات، باب الأمين يتجر فيه فيربح، رقم (٢٤٠٢)، قال ابن الملقن في البدر المنير (٦/ ٤٥٣): «حسن المنذري إسناده والنووي، فهو حديث صحيح».