للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سكوت الموْلَى عند مبايعة المأذون]

قلتُ: أما الجواب عن المسألة الأولى: فهو إنما لم يجز ذلك التصرف بسكوت الموْلَى؛ لأن تصرفه في ذلك العين الذي باع يقع (١) على طريق الوكالة، والتوكيل لا يثبت بالسكوت (٢)، ولكن يتضمن إذنًا في الأنواع كلها، وكان هذا بمنزلة ما إذا رأى (٣) الموْلَى عين المُسلم يشتري شيئًا بالخمر أو بالخنزير فسكت، يصير العبد مأذونًا في التجارة، وإن كان لا يجوز هذا الشراء كذا هنا (٤).

وذكر في «المبسوط» (٥): (لو رأى عبده يبيع في حانوته متاعه بغير أمره فلم ينهه كان مأذونًا لسكوت الموْلَى عن النهي بعد علمه بتصرفه، ولكن لا يجوز ما باع من متاع الموْلَى؛ لأن جواز البيع في ذلك المتاع يَعتمد (٦) التوكيل، وذلك يحصل بالأمر (٧) في الابتداء أو الإجازة في الانتهاء (٨)؛ والسكوت لا يكون أمرًا (٩) ولا إجازةً فلا يثبت به التوكيل، ألا ترى أن فيما يبيع من متاع الموْلَى بأمره إذا لحقه العهدة يرجع بها على الموْلَى؛ بخلاف صيرورته مأذونًا، فإن ذلك يعتمد الرضا لا التوكيل حتى لا يرجع بما يلحقه من العهدة [في سائر التصرفات] (١٠) على الموْلَى، ولا يتحقق الضرر في حق الموْلَى بمجرد صيرورته مأذونا).

وفي هذا المعنى قلنا: إن في جواز هذا التصرف إزالة ملك الموْلَى عما يبيعه، وفي إزالة ملكه ضرر متحقق لما يثبت سكوته، وليس في ثبوت الإذن ضرر على الموْلَى متحقق في الحال، وقد يلحقه الدين وقد لا يلحقه؛ ولو لم يثبت الإذن به يتضرر الناس في معاملاتهم به؛ وكذلك الجواب فيما إذا رأى أجنبيًّا يبيع ماله فسكت؛ لما أن ضرر المالك متيقن فإنه يزول ملكه عن العين في الحال، وزوال ملك الإنسان عن العين- وإن كان بعوض- ضرر، حتى لم يملك عليه أحد ذلك حالة الاختيار (١١).


(١) في (أ) زيادة (تصرفه).
(٢) انظر: شرح الطحاوي للجصاص (٨/ ٤٨٧)، تبيين الحقائق (٥/ ٢٠٥).
(٣) في (ع) (أدى) وما أثبت هو الصحيح. انظر: فتح القدير (٩/ ٢٨٥).
(٤) انظر: فتح القدير (٩/ ٢٨٥)، البحر الرائق (٨/ ٩٩).
(٥) للسرخسي (٢٥/ ١٥ - ١٦).
(٦) في (ع) (يحتمل) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (٢٥/ ١٦).
(٧) الْأَمْرُ لغة: ضِدُّ النَّهْيِ. مقاييس اللغة (١/ ١٣٧). واصطلاحًا: الْقَوْلُ الْمُقْتَضِي طَاعَةَ الْمَأْمُورِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ. انظر: المستصفى (ص: ٢٠٢)، كشف الأسرار (١/ ١٠١).
(٨) انظر: المحيط البرهاني (٣/ ١٨٢)، الاختيار (٤/ ٧٣).
(٩) في (أ) (إبراء) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (٢٥/ ١٦).
(١٠) سقطت في (أ).
(١١) انظر: العناية شرح الهداية (٩/ ٢٨٤)، تبيين الحقائق (٥/ ٢٠٤)، فتح القدير (٩/ ٢٨٧).