للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر في المبسوط (١) "إذا اشتره وهو يعلم محلَّ دمه ففي أصح الروايتين عن أبي حنيفة - رحمه الله - أنه يرجع بالثمن أيضاً إذا قتل عنده؛ لأن هذا بمنْزلة الاستحقاق، وفي الرواية الأخرى قال: لا يرجع؛ لأن حل الدم من وجه كالاستحقاق، ومن وجه كالعيب، حتى لا يمنع صحة البيع، فلشبهه بالاستحقاق، قلنا عند الجهل به: يرجع بجميع الثمن ولشبهه بالعيب، قلنا: لا يرجع عند العلم بشيء؛ لأنه إنما جعل هذا كالاستحقاق لدفع الضرر عن المشتري، وقد اندفع حين علم به واشتراه".

ومن باع عبداً وشرط البراءة … إلى آخره (٢)

[[بيع البراءة من العيوب]]

اعلم أن البيع بالبراءة من العيوب جائز في الحيوان وفيما سواه، ويدخل في البراءة ما علمه البائع وما لم يعلمه، وما وقف عليه المشتري وما لم يقف عليه، وسواء سمي جنس العيوب أو لم يسمه، أشار إليه أو لم يشر، وتبرأ من كل عيب موجود به وقت البيع وعما يحدث بعده إلى وقت التسليم في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -، وقال محمد - رحمه الله -: لا يبرأ في الحادث، وأجمعوا أن البيع لو كان بشرط البراءة من كل عيب به؛ أنه لا يبرأ عن الحادث (٣)؛ لأنه لما قال به اقتصر على الموجود، كذا في شرح الطحاوي (٤).

و"كان ابن أبي ليلى (٥) يقول: لا يصح البراءة من العيب مع التسمية ما لم يره المشتري، وقد جرى (٦) هذه المسألة بينه وبين أبي حنيفة -رحمهما الله- في مجلس أبي جعفر الدوانقي (٧) فقال له أبو حنيفة - رحمه الله -: أرأيت لو باع جارية في موضع المائي منها عيب؛ أكان يجب على البائع أن يرى المشتري ذلك الموضع منها، أرأيت لو أن بعض حرم أمير المؤمنين باع عبداً برأس ذكره برصٌ أكان يلزمه أن يرى المشتري ذلك، وما زال متى أفحمه، وضحك الخليفة بما صنع به"، كذا في المبسوط (٨).


(١) المبسوط للسرخسي (١٣/ ١١٦).
(٢) قال في الهداية: "ومن باع عبداً وشرط البراءة من كل عيب: فليس له أن يرده بعيب، وإن لم يسمِّ العيوب بعددها" الهداية (٣/ ٩٧٠).
(٣) بدائع الصنائع (٥/ ٢٧٧)، البناية شرح الهداية (٨/ ١٣)، فتح القدير (٦/ ٣٦٥).
(٤) شرح مختصر الطحاوي (٣/ ٧٥ - ٧٦).
(٥) سبق ترجمته ص ١٥٨.
(٦) "جرت" في (ب).
(٧) الدوانيقي أبُو جَعْفَر الْمَنْصُور الْخَلِيفَة، و"الدانق" نقد أخذت تسميته من الفارسية، من "دانك". وقد بقي مستعملاً في الإسلام. وقد عرف الخليفة "أبو جعفر المنصور" بـ "الدوانيقي" نسبة إلى هذا النقد. نزهة الألباب في الألقاب (٢/ ٢٩٢)، المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام (١٦/ ٣٥٧).
(٨) المبسوط للسرخسي (١٣/ ٩٣).